الوصية التـاسعـة .. افهمي زوجك .. وليفهمك هو أيضاً
قال صلى الله عليه وسلم :
(الناس معادن, خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا).
وقال سبحانه وتعالى :
(ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ
وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ)
" فاطر : 32 "
وقال سبحانه :
(وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ وَلا الظِّلُّ وَلا
الْحَرُورُ وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاء وَلا الأَمْوَاتُ) " فاطر : 19 - 22 "
لا يمكن للحياة أن تسير على وتيرة واحدة بين الرجل والمرأة مهما
كان الحب وارف الظلال عليهم ,
لأن شؤون الحياة التي يواجهها كل واحد تجعل مزاجه في بعض الحيان
متعكرا ً منكدا , فتراه لا يحتمل أي شيء و يثور غضبه لأتفه الأسباب .
وهذه مسألة طبيعية في جوهر الخلق كما خلقهم الله تعالى ,
فالاختلاف بين الأمزجة والطبائع يترك دائما مسافة للإشكالات في الحياة ..
من هنا فإن الناس الذين خلقوا من طينة واحدة لا يتمتعون بمزاج واحد
ونفسية واحدة ..
كما أن التربية التي يتلقاها كل واحد في بيته ومدرسته وحارته ,
بين أهله وجيرانه تخلق مساحات جديدة من الاختلاف بين طبائع الناس ,
لذا ترى بعضهم هادئا ًمتسامحاً وقورا ً, والآخر نزقاً عصبياً ,
والثالث نشيطا ًمتحمسا ً والآخر بليدا ًفاترا ً, هذا يتأمل بعمق و ذاك يعمل
بنشاط و حيوية ..
وهذا يحب بدون حساب , وذاك يكره ..
وهكذا تمتلئ الحياة بنماذج مختلفة ..
وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بالمعادن ..
فكما في المعادن ذهب وفضة ورصاص وتنك ونحاس فإن في الناس من
يشابه الذهب أو يساوى التنك ..
وقد تكتشف المرأة أن زوجها الذي اقترنت به يتكون من خليط من المعادن ،
فهو أحيانا كالذهب لمعة وغلاء وقيمة ،
وقد يصبح من التنك باهتا ورخيصا وتافها ..
فإذا أحيانا المرأة عارفة تفاصيل تكوينه وقادرة على التعامل مع هذه
التفاصيل كل واحدة حسب ظهورها فإنها ستجد نفسها في خضم
مشاكل لا أول لها ولا آخر.. لذا فإن من أهم الخطوات التي يفترض في
المرأة المسلمة أن تتخذها في هذا الإتجاه أن تعرف زوجها وتفهمه .
تعرف مكونات معدنه ، ومتى يظهر الذهب على حياته ومتى يظهر التنك ،
متى يكون ظالماً لنفسه ومتى يكون مقتصداً ،
ومتى يكون سابقاً بالخيرات حريصاً على الدين ..
متى يتهاون ومتى يتشدد ..
ماذا يحب وماذا يكره .
ما الذي يغضبه وما الذي يرضيه ما حقه عليها وما حقها عليه ..
متى يمكنها أن تخاطبه باللين ومتى يحتاج الأمر إلى الشدة ..
فإذا عرفت المرأة مداخل نفسية زوجها ومخارجها والمؤثرات التي تؤثر فيها ،
استطاعت أن تسير حياتها معه بشكل يحفظ لحياتها الإستمرار ويجنبها
الاصطدام والمشاكل التي لا تؤدي إلا إلى دمار حياتهما ..
هذا من جانب .
أما الجانب الآخر فإن الرجل ، النصف الآخر ،
يجب أن يمتلك ذات المعرفة عن نصفه الأول ..
ولأننا نطالب المرأة بكل هذه المعرفة فنحن نفترض أننا يجب أن نطالب
الرجل بمعرفة مقابلة . فيعرف هو أيضاً نفسيتها ،
وماضي تربيتها في بيتها ومدرستها ، يعرف رغباتها ومطالبها .
يعرف ما الذي يؤذيها ويزعجها ويؤثر على أعصابها وما هو معدنها ومكوناته .
ونحن نعرف أن المجتمع الإسلامي المعاصر ألغى شخصية المرأة
من حساب الرجل ، إلا من عصم ربك ..
وصار الإهتمام مركزاً بشكل أساسي على مطالب الرجل ورغباته
وشخصيته ، وهنا يأتي دور المرأة في أن توصل للرجل مكونات
شخصيتها من منطلق قناعتها بإنسانيتها وبحقوقها الكاملة .
يقول تعالى في محكم تنزيله :
(وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) " البقرة : 228 "
فبمقدار ما يجب أن تفهم المرأة زوجها وتتعاون معه لتحقيق
ما يريد من رغبات وميول وطموحات يجب عليه هو الآخر أن
يفهم زوجته ويتعاون معها لتحقيق طموحاتها ورغباتها .
وأن لا يسمح لنفسه أن يطغى عليها ويهضم حقوقها
تحت أي ذريعة كانت .
و عليك أختي المسلمة أن تدخلي إلى روح زوجك وعقله
وتدخلي إلى وعيه أن التي تعيش معه إنسانة كاملة لها
حقوق ومطالب ونزعات وطموحات ، وأن الحياة لا تكون هانئة
وسعيدة طالما أهمل أحد الطرفين مطالب الآخر ورغباته .
عليك أن تفهمي زوجك فهماً عميقاً شاملاً ،
وأن تفهميه نفسك وشخصيتك فهماً عميقاً شاملاً ،
وتذكريه دائماً كلما نسي شيئاً أو تجاهله ،
والفهم والتفهم منهج أساسي وضروري لبناء
حياة إنسانية يتعاون فيها الطرفان لتحقيق
الطموحات المنشودة لكليهما في حياتهما .
ليست كل البيوت تبنى على الحب ،
كما قال الفاروق عمر رضي الله عنه ، فأين الرعاية والتذمم والتفاهم ؟
أين حدود الله التي يقف عنها المسلمون والمسلمات ويتحاكمون إليها ؟
يقول سبحانه :
(فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ
فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا) " النساء : 65 "