المذاهب العربية وتأثيرها في الادب على مر العصور
نص
استهلالي: ورد في كتاب (في الأدب والنقد) للدكتور محمد مندور
(1907/......) ما يأتي:''....ونقصد بالمذاهب الأدبية من الناحية النظرية
المذاهب التي وضع أصولها الشعراء والكتّاب أو النقّاد وبيّنوا الأصول
النظرية التي تقوم عليها .... وذلك لأنّ الحقيقة التاريخية هي أنّ المذاهب
الأدبية حالات نفسية عامّة ولّدتها حوادث التاريخ وملابسات الحياة في
العصور المختلفة, فجاء الشعراء والكتّاب و النقاد فوضعوا للتعبير عن هذه
الحالات النفسية أصولا وقواعد يتكون من مجموعها المذهب . أو ثاروا على هذه
القواعد والأصول لكي يتحرّروا منها وبذلك خلقوا مذهبا جديدا ". فما هي أهم
هذه المذاهب ؟ وما هي آثارها المباشرة على الأدب العربي ؟
المذهـب الكلاسيكـي Le Classicisme
1- تعريف المذهب
أ-
لغــة:المذهب مصدر للفعل ذهب , فنقول: ذهب ذهابا وذهوبا ومذهبا, في
المسألة إلى كذا؛ أي رأى فيها ذلك الرأي ؛ ونقول تمذهب فلان بالمذهب :اتبعه
. والمذهب جمعه مذاهب وهو المعتقد و الطريقة والأصل,مثل مذاهب الإسلام
الأربعة:المذهب الحنفي و الشافعي و الحنبلي والمالكي , لذا نقول: ذهب في
الدين منها : رأى فيها رأيا.
ب- إصطلاحا:هي تلك الاتجاهات والمسارات
الفنية والنفسية العامة التي تسببت في وجودها حوادث تاريخية وظروف حياتية
عامة في العصور السالفة ،واتفق الأدباء والنقاد فوضعوا أصولا وقواعد
للتعبير عن هذه الحالات النفسية ،فالمذاهب تيارات فكرية وفنية واجتماعية
تعاونت الآداب العالمية على انتشارها وعكس كل مذهب روح العصر الذي نشأ فيه .
2- تعريف المذهب الكلاسيكي "الاتباعي"
أ-
لغــة: كلمة- كلاسيكية- من حيث الأصل اللغوي مأخوذة من كلمة classis التي
كانت تدل على معنى وحدة الأسطول ، ثم استعملت بمعنى وحدة دراسية أو فصل
دراسي ، ثم أصبحت تطلق على مذهب أدبي محدد الصفات والخصائص وقيل :"إنها من
اللفظة اللاتينية((classicus))" وتطلق على الطبقة العليا في المجتمع حيث
كان المجتمع في أوربا ينقسم إلى 6 طبقات أعلاها طبقة الكلاسيك .
ب-
اصطلاحا:هو مذهب أدبي يتمسك بالأصول القديمة الموروثة عن الأدب اليوناني
القديم ، ويحرص على المحافظة على الأصول اللغوية السليمة في رتابة وعناية
بالغتين باعتماد نظرية المحاكاة .
3- نشأة الكلاسيكية
ليس غريبا أن
تكون الكلاسيكية الأسرع ظهورا وانكشافا من المذاهب الأخرى ،وسبب ذلك ميل
الخلف على السجية إلى السلف. وارتباطهم بما ألفوا عليه آباءهم .فنشأت
الكلاسيكية في أوربا بعد حركة البعث العلمي renaissance التي ظهرت خلال
القرن 15م، بعد سقوط القسطنطينية سنة1453 على يد الأتراك تحت قيادة – محمد
الفاتح – إذ رحل أدباء وعلماء القسطنطينية (بيزنطة) وهم يحملون معهم
المخطوطات اللاتينية القديمة إلى إيطاليا ثم سرعان ما انتشر هذا المذهب
بفرنسا .
وقد ظهرت الكلاسيكية تلبية للظروف الفكرية التي عاش في كنفها
الأدب الأوربي في القرنين 17م و 18م حيث كان للنزعة العقلية سلطان واسع على
الإبداع الأدبي.
4- تطور الكلاسيكية وخصائصها
تعتمد الكلاسيكية على
النزعة العقلية التي قادها" ديكارت " في الفلسفة و"بوالو" في النقد ، ذلك
أن العقل هو الذي يقود القلب والخيال ويكبح جماحهما .
إن الكلاسيكية
تستجيب لحاجات الطبقة الأرستقراطية وتعبر عن الحالات النفسية التي كانت
سائدة في القرن 15م .وهي تقديس إبداع القدامى خاصة ما أبدعه اليونان
واللاتين ، وتمثل جماعة البيلياد la pleiadesالتي يتزعمها
رونسار(1524-1585م) بمساعدة دي بيليه (1522-1560م) وترى هذه الجماعة أنه
يجب على الأدباء الناشئين أن يتمرسوا بشعر قدماء اليونان واللاتين من أجل
بلوغ الإبداع الحقيقي . يلتزم الكلاسيكيون بمحاكاة القدامى في إطار من
الاهتمام المطلق والصارم بأصولهم وقواعدهم ،وعلى هذا نجدهم يقتبسون
موضوعاتهم من التاريخ القديم ، فانتشر بذلك الشعر المسرحي واختفت النزعة
الذاتية .
لقد وضع الأديب الفرنسي – بوالو – أسس الكلاسيكية في كتابه "فن الشعر " سنة 1648م وبذلك يكون قد أعلن عن نضج الكلاسيكية .
يحرص
الكلاسيكيون على تناول الجانب الباطني في الإنسان ؛ أي يغوصون في دواخل
النفس الإنسانية ، من ذلك حين يتناول – موليير – (1622-1673) في مسرحيته "
البخيل " ظاهرة البخل فإنه يحاول من خلالها الكشف عن أعماق نفسية البخيل .
إن
الكلاسيكية وإن كانت تقدس العقل فإنها لا تسمح بوجود العواطف الإنسانية
إلا تحت قيادة العقل فهي تحرص كل الحرص على جودة الصياغة اللغوية والفصاحة
في التعبير لأن هذا الأدب عرف بأنه أدب الصنعة .ومن أهم خصائص الكلاسيكية
الغربية:
- الاعتماد على القديم من شعر القدماء كالرومان والإغريق في الحرص على تقليدهم .
-
تعظيم العقل : فهم يرون أن الأديب يعتمد على العقل الواعي المتزن والمتميز
بالاعتدال في التفكير لذا وجب عليه الابتعاد عن العواطف الذاتية .
- الحرص على جودة الصياغة اللغوية وفصاحة التعبير .
-
تقيّد أعمالهم وإنتاجهم الأدبي بقانون الوحدات الثلاث لاعتقادهم أن
المسرحية إذا تعددت مواضيعها وامتدت أحداثها عبر الزمن الطويل وتنوعت
أماكنها تصدع بناؤها وتفككت عناصرها .
5- أثر الكلاسيكية الغربية في الأدب العربي
إن
تأثير المذهب الكلاسيكي في الأدب العربي الحديث محدود؛ حيث اقتصر على
الشعر المسرحي ؛ وذلك عندما اتصل كتاب المسرح العربي بالمسرح الفرنسي
الكلاسيكي وفي مقدمة هؤلاء أمير الشعراء -أحمد شوقي - من مصر والأديب -
مارون النقاش- من لبنان . وتتمثل في الأعمال العربية الأدبية الكلاسيكية في
بعض الترجمات التي قام بها مارون النقاش الذي ترجم أعمالا للأديب الفرنسي –
موليير – كمسرحيتي (البخيل) و(الثري النبيل) . كما قام أيضا- سليم النقاش -
بترجمة مسرحية (هوراس) التي ألفها صاحبها –كورناي– سنة 1640 وقد ظهر هذا
التأثير البسيط بصفة جلية في مسرحيات -أحمد شوقي - الذي كان قد اتصل بالأدب
الفرنسي الكلاسيكي واحتك بمسرحه عند ذهابه إلى فرنسا للدراسة . ونلمح هذا
التأثير في عنصر الصراع بين الحب والواجب في مسرحية (مصرع كليوباترا) إذ
جعل الأديب كليوباترا ملكة مصر (67 ق.م- 30 ق.م ) تغار على وطنها ولا يهمها
أن يعزلها الروم أو أن تلقى المنية في سبيل مملكتها وهي مع ذلك مهتمة
بجمالها حية أو ميتة ، متمسكة بعلاقتها بأنطيوس القائد الروماني الذي خاصم
قومه من أجل كليوباترا ،كما نجد في مسرحية ( قمبيز) وبطلتها نتيتاس نوعا
آخر من الصراع حيث لم تستطع أن تتغلب على حقدها على قاتل أبيها الفرعون
أمازيس .
وإذا كانت مسرحيات شوقي محاولة رائدة في الشعر العربي فقد
تبعتها بعد ذلك محاولات أخرى ناجحة في الإتقان الفني والنضج الفكري مثل
مسرحية "مصر الجديدة "لـفرج أنطون كما ظهرت فرق أخرى كانت أعمالها المسرحية
متميزة .إلا أن تأثير الكلاسيكية في الأدب العربي بقي محدودا ولم تلق
رواجا كبيرا لأسباب أهمها :
- اعتماد المذهب الكلاسيكي الغربي على الأدب الموضوعي بينما نجد الأدب العربي عموما أدبا عاما .
-
إن المذهب الكلاسيكي وثيق الاتصال بالمسرح سواء منه اليوناني والروماني
القديم أو الأوروبي الحديث وليس للعرب مسرح في عصورهم القديمة ، وحين اتصل
بعض أدبائهم بالمسرح الغربي حديثا كان ذلك التأثير محدودا.
- عدم بقاء
الكلاسيكية وتعميرها طويلا في أوروبا في فترة كان الاتصال فيها بين الأدب
العربي والآداب الأوروبية في مرحلة الطفولة . فليس من الطبيعي أن يتأثر
العرب بمذهب أدبي هجره أهله.
المذهـب الرومانسـي Le Romantisme
نص
استهلالي: قال الدكتور محمد مندور في كتابه -الأدب ومذاهبه- : "...يمكن
القول أنها قد كانت في جوهرها ثورة تحريرية للأدب من سيطرة الآداب
اليونانية واللاتينية القديمة ومن كافة القواعد والأصول التي استنبطت من
تلك الآداب " .
1- تعريف الرومانسية
أ - لغــة :الرومانسية من حيث
الجذر اللغوي مشتقة من كلمة "رومانيوس" وقد أطلقت هذه الكلمة على اللغات
والآداب التي تفرعت عن اللغة اللاتينية القديمة ، ويرى البعض أن "رومانس"
لفظة اسبانية تدل على نوع من الصياغة الشعرية مؤلفة من مجموعة أبيات ثمانية
المقاطع تكون فيها الأبيات الزوجية مشتركة في القافية والأبيات الفردية
مطلقة .
ب- اصطلاحا:هي ثورة على المذهب
الكلاسيكي بأصوله وقواعده وقد رفضت فيه إغراقه في الصنعة ومبالغته في
تعظيم العقل وإمعانه في تمجيد العظماء والسير على منوالهم. فالرومانسية
تفتح المجال واسعا للسليقة الحرة وترفض العقل وتدعم الإحساس المنطلق
والشعور المتدفق والطبع الوثاب .
2- نشأتها
نشأت الرومانسية في فرنسا
في أواخر القرن 18م وبلغت قمة ازدهارها في منتصف القرن 19م وقامت على أساس
فلسفي هي الفلسفة العاطفية التي مثلها - جون جاك روسو- الفيلسوف الفرنسي
الذي توفي سنة 1778 وعلى أساس اجتماعي وهو بروز الطبقة البورجوازية التي
عبرت عنها الرومانسية مصورة حالة الكآبة والتشاؤم التي سادت تلك الفترة .
كما
اتسع نطاق الرومانسية من خلال بعض الأعلام البارزين مثل الفرنسي فيكتور
هيغو "1806 - 1895" إلا أن وليام شكسبير "1564-1616" يعد بحق واضع القاعدة
الأولى للرومانسية الغربية في مسرحه الشهير في إنجلترا وتميزت أعماله
بتحليل عواطف القلب البشري من حب وبغض . ومن رواد هذا المذهب أيضا الشاعران
الإنجليزيان واردزوارث"1770-1850" وكلوريدج "1772-1834" اللذان نظما
وأصدرا ديوانهما "المواويل الغنائية" وقد جعلا الإنسان بهمومه واهتماماته
محورا لشعرهما في هذا الديوان وقد شهدت إنجلترا أيضا أدباء رومانسيين آخرين
نالوا شهرة واسعة وتركوا بصماتهم في الأدب الإنجليزي الرومانسي منهم: وليم
بلاك "1757-1827" وجامس طومسون "1700-1742" .
3- تطور الرومانسية وخصائصها
لقد
شهدت الرومانسية تطورا كبيرا في إنجلترا من خلال أدباء وشعراء تركوا بصمات
بارزة في الأدب الرومانسي. وقد شهدت ألمانيا نهضة في مجال الأدب الرومانسي
بفضل الأديب -غوث- صاحب كتاب "آلام الشاب وارذر" وقد صدر سنة 1774م وترجم
بعد ذلك إلى الإنجليزية والفرنسية سنة 1775م . وقد اعتبر في أوروبا بطل
الرواية "وارذر" بطلا للرومانسية . أما عن الرومانسية بفرنسا فإنها جاءت
متأخرة عن الرومانسية الإنجليزية والألمانية حيث ظهر تأثيرها خاصة في حروب
نابليون بونابرت "1769-1821" واحتلاله بجيشه لعدة دول أوروبية كإيطاليا
وألمانيا وإسبانيا ،ورجوع المغتربين الفرنسيين من هجرتهم إلى بلدهم فرنسا
وهم محملون بأفكار ومبادئ الرومانسية .
وقد ظهر هذا التأثير بوضوح سنة
1830 بعد سفر كل من –لامارتين- "1790-1869" والأديب فيكتور هيجو -اللذان
أعتبرا من أعلام الحركة الرومانسية بفرنسا- إلى بعض الدول الأوروبية ، وقد
أخذ هذان الأديبان أسس المذهب الرومانسي ومبادءه وحملاها إلى فرنسا قادمين
بها في رحلاتهما من ألمانيا وإنجلترا وإسبانيا . ومن أعمال فيكتور هيجو
(البؤساء - وهرناني -وعمال البحر) وغيرها من الأعمال الفنية الشعرية
والنثرية . وهو صاحب المقولة الشهيرة " يجب أن نخلص الشعر من الموضوعات
المأخوذة من عصور غربية عنا ". وقد اهتمت الرومانسية بالعواطف الذاتية وخصت
أدبها بالطبقات الوسطى والدنيا من المجتمع . لذا جاءت تعبيرا عن هذا
المجتمع الجديد الذي عرفه العالم الغربي ، ومن هنا فقد سعت الرومانسية
بأعمالها الأدبية إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من السعادة لشعوبها .
4- أهـم خصائــص الرومانسيــــة
من أهم خصائص الرومانسية :
- بروز الذاتية في الأعمال الأدبية لأن الأدب في نظرهم أدب ذاتي وشخصي .
- اتخاذ الطبيعة مادة خاما لأعمالهم الأدبية والهروب إليها لصياغة التجارب الشعرية .
- تسعى الرومانسية إلى التعمق في أسرار الكون عن طريق تقديم الخيال وتفضيله على العقل وتقديس النزعة العاطفية إلى حد الإسراف .
-
التعبير عن معاناة الضعفاء ومظاهر القلق والحزن والتفاؤل والتشاؤم . وقد
طمحت إلى عالم تسوده مبادئ العدل والمساواة ، معلنين عن تعاطفهم مع الضعفاء
والمحرومين ، وقد نادت الرومانسية بتحطيم القيود والقواعد المفروضة على
الأدب وركزت على التلقائية والسليقة الحرة .
5- أثر الرومانسية في الأدب العربي
أشرنا
أن الكلاسيكية لم يكن لها تأثير واسع في الأدب العربي الحديث . إلا أننا
نجد أن الرومانسية قد أثرت تأثيرا بالغا على الأدب العربي وقد ظهرت بوادر
هذا التأثير على يد المهجريين أمثال (جبران خليل جبران و إيليا أبي ماضي)
وغيرهما من شعراء المهجر الذين أجادوا اللغة الإنجليزية إلى جانب لغتهم
الأصلية فتمكنوا من الإطلاع على عيون الأدب الغربي عامة والأمريكي خاصة .
كما
نلاحظ تعدد الترجمات العربية للمصطلح الأجنبي romonticismفيقابله "
الوجدانية- الذاتية- الرومانسية- الرومانتيكية - الإبداعية - الإبتداعية
..."
أ- عوامل ظهور الرومانسية في الأدب العربي :
- تأثيرات
الغرب : بدأ الاتصال بالثقافة الغربية منذ المنتصف الثاني من القرن19 م
فأخذت البعثات العلمية تقصد أوروبا لتغترف من الحضارة الجديدة وعادت تحمل
هذا التأثير من المثقفين العرب فتأثر معظم الشعراء بنظرائهم في الغرب وفي
مقدمتهم خليل الخوري توفي سنة 1907 الذي كان على اتصال تراسلي مع
–لامارتين- .
- معاناة الجيل العربي ما بين الحربين : يعزو بعض النقاد
أسباب ظهور المذهب الرومانسي إلى ما عاناه الجيل العربي أثناء الحرب
العالمية الأولى وبعدها، من كبت للحريات والعواطف والقيود ومصادرة الأفكار
الحرة وممارسة القمع والتعذيب فانطوى الشاعر على نفسه وانسحب إلى دنيا
الأحلام متقلبا بين اليأس والأمل .
- الرغبة في التجديد : لقد ضاق
الأدباء ذرعا بالموضوعات القديمة والصور التقليدية وأرادوا التحرر من
القيود القديمة التي كبلت حرية الشاعر في الإبداع .
ب- مظاهر الرومانسية في الأدب العربي :
ظهرت
الرومانسية في الأدب العربي على صورة مذهب نظري نقدي ثائر قبل أن يجسدها
الأدباء في إنتاج فني وقد تبلور هذا الاتجاه في كتابين نقديين هما :
الديوان سنة 1921 لكل من عباس محمود العقاد و إبراهيم عبد القادر المازني.
وكتاب الغربال الذي صدر سنة 1922"ميخائيل نعيمة" وتحت هذا المذهب النظري نشأت عدة تنظيمات أدبية أهمها :
1-
مدرسة الديوان أو" مدرسة التجديد الذهني " : دعا إليها- العقاد والمازني -
ومن شعرائها عبد الرحمان شكري وقد حملت لواء التجديد والثورة على الأدب
المحافظ متأثرة بالمدرسة الرومانسية الإنجليزية وقد نهجت في كتابها
"الديوان" المنهج ذاته الذي نهجته" مجموعة الكنز الذهبي"وشعارها هو بيت
"عبد الرحمن شكري"في قصيدته "ضوء الفجر" :
ألا يــــا طـــائـر الفــــردو س إن الشــــعر وجــــدان .
وقد قامت هذه المدرسة على دعامتين أساسيتين هما :
• سعة ثقافة أصحابها : فقد عكفت هذه المدرسة على التراث العربي الأصيل وأعطته حقه من التحصيل والتحليل والدراسة
•
الإطلاع الواسع على الأدب الغربي : لقد اهتمت هذه الجماعة بعيون الآداب
الأوروبية الغربية وخاصة الأدب الإنجليزي الذي نال قسطا وافرا من الاهتمام .
وقد تميزت أعمال جماعة الديوان ببعض الخصائص الفنية نجملها فيما يأتي :
* كان أدبهم إنسانيا يحمل رسالة سامية ، ويرون أنه يجب على الأديب أن يطيل التفكير في الحياة وما تحمله من قسوة وهموم .
* البعد عن الصنعة والتكلف حتى يكون الأدب مفعما بالمشاعر القوية والأحاسيس الذاتية .
* دعوتهم إلى الشعر المرسل وتعدد القافية في القصيدة على خلاف النظام القديم.
* الصدق الفني في التجربة الشعورية لأن القصيدة عندهم تنقل بصدق ما في نفس الشاعر من معان وانفعالات وأحاسيس .
2-
الرابطــــة القلميــة : تمثل شعراء المهجر الشماليين وهي مدرسة قائمة
بخصائصها في التعبير والتفكير . تأسست في الولايات المتحدة الأمريكية سنة
1920 ، برئاسة الشاعر جبران خليل جبران ومن أبرز أعضائها ميخائيل نعيمة
رشيد أيوب وإيليا أبي ماضي ونسيب عريضة وغيرهما من أدباء المهجر . تتميز
هذه الرابطة بدعوتها إلى التجديد ومبالغتها في ذكر الأوطان كما أنها لا
تلتزم بالدقة اللغوية وقواعد الصرف والنحو .
3-جمـاعــة أبـولـو (أبولو
رب الشعر والموسيقى عند اليونان ) : هي جماعة أدبية تأسست سنة 1932 دعا
إليها أحمد زكي المعروف بأبي شادي ، وقد ترأسها أمير الشعراء أحمد شوقي
وبوفاته في شهر أكتوبر من نفس السنة تزعمها الأديب خليل مطران ، وقد انضم
إليها علي محمود طه توفي سنة 1949 والشاعر أبو القاسم الشابي توفي سنة 1934
وكذلك الأديب إبراهيم ناجي ومحمود حسن اسماعيل ، وحسن الصيرفي والتيجاني
يوسف البشير .
لقد اتخذت الجماعة لنفسها مجلة فنية حملتها لسان حالها
دعتها مجلة "أبولو" برئاسة الدكتور أحمد زكي (أبو شادي) وراحت تروج لشعر دي
موسيه، وشيلر، وجورج ملتون ، وبودلير وغيرهم من الشعراء الأوروبيين
المجددين . وهذا الشاعر أحمد شوقي يصور آلام ومعاناة عاشها إخوانه في سوريا
:
بني سوريا اطرحـوا الأماني وألقـوا عنكم الأحلام ألقوا
فمن خدع السياسة أن تغروا بألقــاب الإمارة وهي رق
نصحت ونحن مختلفون دارا ولكــن كلنا في الهم شرق
ومن أهم خصائص هذه الجماعة : التجربة الشعرية ، الوحدة العضوية ، الانغماس في الطبيعة ، التجديد في القوالب والأوزان الشعرية .
4- جماعات أدبية أخرى :
• العصبة الأندلسيـة : ومن أبـرز شعرائهـا رشيد سليم الخوري .
• عصبة العشـــرة : // // // إلياس أبو شبكة .
• النادي الفينيقــي : // // // ميشال معلوف .
• الثالـوث الرومانسي: // // // أبو القاسم الشابي .
المذهـب الـواقعـي Le Réalisme
نص
استهلالي : ورد في كتاب الأدب ومذاهبه للدكتور محمد مندور ما يلي : " إن
الواقعية ليست الأخذ عن واقع الحياة وتصويره بخيره وشره كالآلة
الفوتوغرافية كما أنها ليست معالجة لمشاكل المجتمع ومحاولة حلها أو التوجه
نحو هذا الحل ، كما أنها ليست ضد أدب الخيال أو الأبراج العاجية ، وإنما هي
فلسفة في فهم الحياة والأحياء وتفسيرهما أو هي وجهة نظر خاصة ترى الحياة
من خلال منظار أسود " ويرون : " أن الشجاعة والاستهانة بالموت لو نقبنا عن
حقيقتها لوجدناها يأسا من الحياة أو ضرورة لا مفر منها ، والكرم في حقيقته
أثرة تأخذ مظهر المباهاة ، والمجد والخلود تكالب على الحياة وإيهام للنفس
بدوامها أو استمرارها . وهكذا الأمر في كافة القيم المثالية التي نسميها
قيما خيرة ، فهي ليست واقع الحياة الحقيقية وإنما الواقع هو الأثرة وما
ينبعث عنها من شرور وقسوة ووحشية " .
1- تعريف الواقعية
تمثل
الواقعية الجانب الواقعي من المجتمع والحياة ، فهي ترى أن الحياة كلها شر
ووبال وأن الإنسان لا يستطيع أن يعيش إلا إذا كان ماكرا ومخادعا .
2- نشأتها
نشأ
هذا المذهب في الثلث الثاني من القرن 19م تحت تأثير الحركة العلمية
والفلسفية ونتيجة رد فعل للإفراط العاطفي الذي اتسمت به الرومانسية ؛ فقد
ازدهرا معا وتجاورا . وقد عمد الواقعيون إلى تشخيص الآفات الاجتماعية
وتصوير معاناة الطبقة الدنيا وبالغوا في ذلك حتى اتسم أدبهم بطابع تشاؤمي
ومسحة سوداء .
يعدّ بالزاك Balzac « 1850-1799 »الرائد الأول
للواقعية في فرنسا وقد خلف أكبر موسوعة في الأدب الواقعي وهي تشمل نحو 150
قصة أطلق عليها اسم الكوميديا البشرية وتمثل قطاعات مختلفة من الحياة ، كما
نجد عدة أدباء آخرين من فرنسا في مجال الواقعية مثل غوستاف
فلوبار"1821-1880 " وهو صاحب الأعمال الأدبية المتميّزة مثل السيدة بوفاري
Bovary Madame وقصة أخرى عنوانها Salammbo وغيرهما من الأعمال الأدبية
القيمة
نص
استهلالي: ورد في كتاب (في الأدب والنقد) للدكتور محمد مندور
(1907/......) ما يأتي:''....ونقصد بالمذاهب الأدبية من الناحية النظرية
المذاهب التي وضع أصولها الشعراء والكتّاب أو النقّاد وبيّنوا الأصول
النظرية التي تقوم عليها .... وذلك لأنّ الحقيقة التاريخية هي أنّ المذاهب
الأدبية حالات نفسية عامّة ولّدتها حوادث التاريخ وملابسات الحياة في
العصور المختلفة, فجاء الشعراء والكتّاب و النقاد فوضعوا للتعبير عن هذه
الحالات النفسية أصولا وقواعد يتكون من مجموعها المذهب . أو ثاروا على هذه
القواعد والأصول لكي يتحرّروا منها وبذلك خلقوا مذهبا جديدا ". فما هي أهم
هذه المذاهب ؟ وما هي آثارها المباشرة على الأدب العربي ؟
المذهـب الكلاسيكـي Le Classicisme
1- تعريف المذهب
أ-
لغــة:المذهب مصدر للفعل ذهب , فنقول: ذهب ذهابا وذهوبا ومذهبا, في
المسألة إلى كذا؛ أي رأى فيها ذلك الرأي ؛ ونقول تمذهب فلان بالمذهب :اتبعه
. والمذهب جمعه مذاهب وهو المعتقد و الطريقة والأصل,مثل مذاهب الإسلام
الأربعة:المذهب الحنفي و الشافعي و الحنبلي والمالكي , لذا نقول: ذهب في
الدين منها : رأى فيها رأيا.
ب- إصطلاحا:هي تلك الاتجاهات والمسارات
الفنية والنفسية العامة التي تسببت في وجودها حوادث تاريخية وظروف حياتية
عامة في العصور السالفة ،واتفق الأدباء والنقاد فوضعوا أصولا وقواعد
للتعبير عن هذه الحالات النفسية ،فالمذاهب تيارات فكرية وفنية واجتماعية
تعاونت الآداب العالمية على انتشارها وعكس كل مذهب روح العصر الذي نشأ فيه .
2- تعريف المذهب الكلاسيكي "الاتباعي"
أ-
لغــة: كلمة- كلاسيكية- من حيث الأصل اللغوي مأخوذة من كلمة classis التي
كانت تدل على معنى وحدة الأسطول ، ثم استعملت بمعنى وحدة دراسية أو فصل
دراسي ، ثم أصبحت تطلق على مذهب أدبي محدد الصفات والخصائص وقيل :"إنها من
اللفظة اللاتينية((classicus))" وتطلق على الطبقة العليا في المجتمع حيث
كان المجتمع في أوربا ينقسم إلى 6 طبقات أعلاها طبقة الكلاسيك .
ب-
اصطلاحا:هو مذهب أدبي يتمسك بالأصول القديمة الموروثة عن الأدب اليوناني
القديم ، ويحرص على المحافظة على الأصول اللغوية السليمة في رتابة وعناية
بالغتين باعتماد نظرية المحاكاة .
3- نشأة الكلاسيكية
ليس غريبا أن
تكون الكلاسيكية الأسرع ظهورا وانكشافا من المذاهب الأخرى ،وسبب ذلك ميل
الخلف على السجية إلى السلف. وارتباطهم بما ألفوا عليه آباءهم .فنشأت
الكلاسيكية في أوربا بعد حركة البعث العلمي renaissance التي ظهرت خلال
القرن 15م، بعد سقوط القسطنطينية سنة1453 على يد الأتراك تحت قيادة – محمد
الفاتح – إذ رحل أدباء وعلماء القسطنطينية (بيزنطة) وهم يحملون معهم
المخطوطات اللاتينية القديمة إلى إيطاليا ثم سرعان ما انتشر هذا المذهب
بفرنسا .
وقد ظهرت الكلاسيكية تلبية للظروف الفكرية التي عاش في كنفها
الأدب الأوربي في القرنين 17م و 18م حيث كان للنزعة العقلية سلطان واسع على
الإبداع الأدبي.
4- تطور الكلاسيكية وخصائصها
تعتمد الكلاسيكية على
النزعة العقلية التي قادها" ديكارت " في الفلسفة و"بوالو" في النقد ، ذلك
أن العقل هو الذي يقود القلب والخيال ويكبح جماحهما .
إن الكلاسيكية
تستجيب لحاجات الطبقة الأرستقراطية وتعبر عن الحالات النفسية التي كانت
سائدة في القرن 15م .وهي تقديس إبداع القدامى خاصة ما أبدعه اليونان
واللاتين ، وتمثل جماعة البيلياد la pleiadesالتي يتزعمها
رونسار(1524-1585م) بمساعدة دي بيليه (1522-1560م) وترى هذه الجماعة أنه
يجب على الأدباء الناشئين أن يتمرسوا بشعر قدماء اليونان واللاتين من أجل
بلوغ الإبداع الحقيقي . يلتزم الكلاسيكيون بمحاكاة القدامى في إطار من
الاهتمام المطلق والصارم بأصولهم وقواعدهم ،وعلى هذا نجدهم يقتبسون
موضوعاتهم من التاريخ القديم ، فانتشر بذلك الشعر المسرحي واختفت النزعة
الذاتية .
لقد وضع الأديب الفرنسي – بوالو – أسس الكلاسيكية في كتابه "فن الشعر " سنة 1648م وبذلك يكون قد أعلن عن نضج الكلاسيكية .
يحرص
الكلاسيكيون على تناول الجانب الباطني في الإنسان ؛ أي يغوصون في دواخل
النفس الإنسانية ، من ذلك حين يتناول – موليير – (1622-1673) في مسرحيته "
البخيل " ظاهرة البخل فإنه يحاول من خلالها الكشف عن أعماق نفسية البخيل .
إن
الكلاسيكية وإن كانت تقدس العقل فإنها لا تسمح بوجود العواطف الإنسانية
إلا تحت قيادة العقل فهي تحرص كل الحرص على جودة الصياغة اللغوية والفصاحة
في التعبير لأن هذا الأدب عرف بأنه أدب الصنعة .ومن أهم خصائص الكلاسيكية
الغربية:
- الاعتماد على القديم من شعر القدماء كالرومان والإغريق في الحرص على تقليدهم .
-
تعظيم العقل : فهم يرون أن الأديب يعتمد على العقل الواعي المتزن والمتميز
بالاعتدال في التفكير لذا وجب عليه الابتعاد عن العواطف الذاتية .
- الحرص على جودة الصياغة اللغوية وفصاحة التعبير .
-
تقيّد أعمالهم وإنتاجهم الأدبي بقانون الوحدات الثلاث لاعتقادهم أن
المسرحية إذا تعددت مواضيعها وامتدت أحداثها عبر الزمن الطويل وتنوعت
أماكنها تصدع بناؤها وتفككت عناصرها .
5- أثر الكلاسيكية الغربية في الأدب العربي
إن
تأثير المذهب الكلاسيكي في الأدب العربي الحديث محدود؛ حيث اقتصر على
الشعر المسرحي ؛ وذلك عندما اتصل كتاب المسرح العربي بالمسرح الفرنسي
الكلاسيكي وفي مقدمة هؤلاء أمير الشعراء -أحمد شوقي - من مصر والأديب -
مارون النقاش- من لبنان . وتتمثل في الأعمال العربية الأدبية الكلاسيكية في
بعض الترجمات التي قام بها مارون النقاش الذي ترجم أعمالا للأديب الفرنسي –
موليير – كمسرحيتي (البخيل) و(الثري النبيل) . كما قام أيضا- سليم النقاش -
بترجمة مسرحية (هوراس) التي ألفها صاحبها –كورناي– سنة 1640 وقد ظهر هذا
التأثير البسيط بصفة جلية في مسرحيات -أحمد شوقي - الذي كان قد اتصل بالأدب
الفرنسي الكلاسيكي واحتك بمسرحه عند ذهابه إلى فرنسا للدراسة . ونلمح هذا
التأثير في عنصر الصراع بين الحب والواجب في مسرحية (مصرع كليوباترا) إذ
جعل الأديب كليوباترا ملكة مصر (67 ق.م- 30 ق.م ) تغار على وطنها ولا يهمها
أن يعزلها الروم أو أن تلقى المنية في سبيل مملكتها وهي مع ذلك مهتمة
بجمالها حية أو ميتة ، متمسكة بعلاقتها بأنطيوس القائد الروماني الذي خاصم
قومه من أجل كليوباترا ،كما نجد في مسرحية ( قمبيز) وبطلتها نتيتاس نوعا
آخر من الصراع حيث لم تستطع أن تتغلب على حقدها على قاتل أبيها الفرعون
أمازيس .
وإذا كانت مسرحيات شوقي محاولة رائدة في الشعر العربي فقد
تبعتها بعد ذلك محاولات أخرى ناجحة في الإتقان الفني والنضج الفكري مثل
مسرحية "مصر الجديدة "لـفرج أنطون كما ظهرت فرق أخرى كانت أعمالها المسرحية
متميزة .إلا أن تأثير الكلاسيكية في الأدب العربي بقي محدودا ولم تلق
رواجا كبيرا لأسباب أهمها :
- اعتماد المذهب الكلاسيكي الغربي على الأدب الموضوعي بينما نجد الأدب العربي عموما أدبا عاما .
-
إن المذهب الكلاسيكي وثيق الاتصال بالمسرح سواء منه اليوناني والروماني
القديم أو الأوروبي الحديث وليس للعرب مسرح في عصورهم القديمة ، وحين اتصل
بعض أدبائهم بالمسرح الغربي حديثا كان ذلك التأثير محدودا.
- عدم بقاء
الكلاسيكية وتعميرها طويلا في أوروبا في فترة كان الاتصال فيها بين الأدب
العربي والآداب الأوروبية في مرحلة الطفولة . فليس من الطبيعي أن يتأثر
العرب بمذهب أدبي هجره أهله.
المذهـب الرومانسـي Le Romantisme
نص
استهلالي: قال الدكتور محمد مندور في كتابه -الأدب ومذاهبه- : "...يمكن
القول أنها قد كانت في جوهرها ثورة تحريرية للأدب من سيطرة الآداب
اليونانية واللاتينية القديمة ومن كافة القواعد والأصول التي استنبطت من
تلك الآداب " .
1- تعريف الرومانسية
أ - لغــة :الرومانسية من حيث
الجذر اللغوي مشتقة من كلمة "رومانيوس" وقد أطلقت هذه الكلمة على اللغات
والآداب التي تفرعت عن اللغة اللاتينية القديمة ، ويرى البعض أن "رومانس"
لفظة اسبانية تدل على نوع من الصياغة الشعرية مؤلفة من مجموعة أبيات ثمانية
المقاطع تكون فيها الأبيات الزوجية مشتركة في القافية والأبيات الفردية
مطلقة .
ب- اصطلاحا:هي ثورة على المذهب
الكلاسيكي بأصوله وقواعده وقد رفضت فيه إغراقه في الصنعة ومبالغته في
تعظيم العقل وإمعانه في تمجيد العظماء والسير على منوالهم. فالرومانسية
تفتح المجال واسعا للسليقة الحرة وترفض العقل وتدعم الإحساس المنطلق
والشعور المتدفق والطبع الوثاب .
2- نشأتها
نشأت الرومانسية في فرنسا
في أواخر القرن 18م وبلغت قمة ازدهارها في منتصف القرن 19م وقامت على أساس
فلسفي هي الفلسفة العاطفية التي مثلها - جون جاك روسو- الفيلسوف الفرنسي
الذي توفي سنة 1778 وعلى أساس اجتماعي وهو بروز الطبقة البورجوازية التي
عبرت عنها الرومانسية مصورة حالة الكآبة والتشاؤم التي سادت تلك الفترة .
كما
اتسع نطاق الرومانسية من خلال بعض الأعلام البارزين مثل الفرنسي فيكتور
هيغو "1806 - 1895" إلا أن وليام شكسبير "1564-1616" يعد بحق واضع القاعدة
الأولى للرومانسية الغربية في مسرحه الشهير في إنجلترا وتميزت أعماله
بتحليل عواطف القلب البشري من حب وبغض . ومن رواد هذا المذهب أيضا الشاعران
الإنجليزيان واردزوارث"1770-1850" وكلوريدج "1772-1834" اللذان نظما
وأصدرا ديوانهما "المواويل الغنائية" وقد جعلا الإنسان بهمومه واهتماماته
محورا لشعرهما في هذا الديوان وقد شهدت إنجلترا أيضا أدباء رومانسيين آخرين
نالوا شهرة واسعة وتركوا بصماتهم في الأدب الإنجليزي الرومانسي منهم: وليم
بلاك "1757-1827" وجامس طومسون "1700-1742" .
3- تطور الرومانسية وخصائصها
لقد
شهدت الرومانسية تطورا كبيرا في إنجلترا من خلال أدباء وشعراء تركوا بصمات
بارزة في الأدب الرومانسي. وقد شهدت ألمانيا نهضة في مجال الأدب الرومانسي
بفضل الأديب -غوث- صاحب كتاب "آلام الشاب وارذر" وقد صدر سنة 1774م وترجم
بعد ذلك إلى الإنجليزية والفرنسية سنة 1775م . وقد اعتبر في أوروبا بطل
الرواية "وارذر" بطلا للرومانسية . أما عن الرومانسية بفرنسا فإنها جاءت
متأخرة عن الرومانسية الإنجليزية والألمانية حيث ظهر تأثيرها خاصة في حروب
نابليون بونابرت "1769-1821" واحتلاله بجيشه لعدة دول أوروبية كإيطاليا
وألمانيا وإسبانيا ،ورجوع المغتربين الفرنسيين من هجرتهم إلى بلدهم فرنسا
وهم محملون بأفكار ومبادئ الرومانسية .
وقد ظهر هذا التأثير بوضوح سنة
1830 بعد سفر كل من –لامارتين- "1790-1869" والأديب فيكتور هيجو -اللذان
أعتبرا من أعلام الحركة الرومانسية بفرنسا- إلى بعض الدول الأوروبية ، وقد
أخذ هذان الأديبان أسس المذهب الرومانسي ومبادءه وحملاها إلى فرنسا قادمين
بها في رحلاتهما من ألمانيا وإنجلترا وإسبانيا . ومن أعمال فيكتور هيجو
(البؤساء - وهرناني -وعمال البحر) وغيرها من الأعمال الفنية الشعرية
والنثرية . وهو صاحب المقولة الشهيرة " يجب أن نخلص الشعر من الموضوعات
المأخوذة من عصور غربية عنا ". وقد اهتمت الرومانسية بالعواطف الذاتية وخصت
أدبها بالطبقات الوسطى والدنيا من المجتمع . لذا جاءت تعبيرا عن هذا
المجتمع الجديد الذي عرفه العالم الغربي ، ومن هنا فقد سعت الرومانسية
بأعمالها الأدبية إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من السعادة لشعوبها .
4- أهـم خصائــص الرومانسيــــة
من أهم خصائص الرومانسية :
- بروز الذاتية في الأعمال الأدبية لأن الأدب في نظرهم أدب ذاتي وشخصي .
- اتخاذ الطبيعة مادة خاما لأعمالهم الأدبية والهروب إليها لصياغة التجارب الشعرية .
- تسعى الرومانسية إلى التعمق في أسرار الكون عن طريق تقديم الخيال وتفضيله على العقل وتقديس النزعة العاطفية إلى حد الإسراف .
-
التعبير عن معاناة الضعفاء ومظاهر القلق والحزن والتفاؤل والتشاؤم . وقد
طمحت إلى عالم تسوده مبادئ العدل والمساواة ، معلنين عن تعاطفهم مع الضعفاء
والمحرومين ، وقد نادت الرومانسية بتحطيم القيود والقواعد المفروضة على
الأدب وركزت على التلقائية والسليقة الحرة .
5- أثر الرومانسية في الأدب العربي
أشرنا
أن الكلاسيكية لم يكن لها تأثير واسع في الأدب العربي الحديث . إلا أننا
نجد أن الرومانسية قد أثرت تأثيرا بالغا على الأدب العربي وقد ظهرت بوادر
هذا التأثير على يد المهجريين أمثال (جبران خليل جبران و إيليا أبي ماضي)
وغيرهما من شعراء المهجر الذين أجادوا اللغة الإنجليزية إلى جانب لغتهم
الأصلية فتمكنوا من الإطلاع على عيون الأدب الغربي عامة والأمريكي خاصة .
كما
نلاحظ تعدد الترجمات العربية للمصطلح الأجنبي romonticismفيقابله "
الوجدانية- الذاتية- الرومانسية- الرومانتيكية - الإبداعية - الإبتداعية
..."
أ- عوامل ظهور الرومانسية في الأدب العربي :
- تأثيرات
الغرب : بدأ الاتصال بالثقافة الغربية منذ المنتصف الثاني من القرن19 م
فأخذت البعثات العلمية تقصد أوروبا لتغترف من الحضارة الجديدة وعادت تحمل
هذا التأثير من المثقفين العرب فتأثر معظم الشعراء بنظرائهم في الغرب وفي
مقدمتهم خليل الخوري توفي سنة 1907 الذي كان على اتصال تراسلي مع
–لامارتين- .
- معاناة الجيل العربي ما بين الحربين : يعزو بعض النقاد
أسباب ظهور المذهب الرومانسي إلى ما عاناه الجيل العربي أثناء الحرب
العالمية الأولى وبعدها، من كبت للحريات والعواطف والقيود ومصادرة الأفكار
الحرة وممارسة القمع والتعذيب فانطوى الشاعر على نفسه وانسحب إلى دنيا
الأحلام متقلبا بين اليأس والأمل .
- الرغبة في التجديد : لقد ضاق
الأدباء ذرعا بالموضوعات القديمة والصور التقليدية وأرادوا التحرر من
القيود القديمة التي كبلت حرية الشاعر في الإبداع .
ب- مظاهر الرومانسية في الأدب العربي :
ظهرت
الرومانسية في الأدب العربي على صورة مذهب نظري نقدي ثائر قبل أن يجسدها
الأدباء في إنتاج فني وقد تبلور هذا الاتجاه في كتابين نقديين هما :
الديوان سنة 1921 لكل من عباس محمود العقاد و إبراهيم عبد القادر المازني.
وكتاب الغربال الذي صدر سنة 1922"ميخائيل نعيمة" وتحت هذا المذهب النظري نشأت عدة تنظيمات أدبية أهمها :
1-
مدرسة الديوان أو" مدرسة التجديد الذهني " : دعا إليها- العقاد والمازني -
ومن شعرائها عبد الرحمان شكري وقد حملت لواء التجديد والثورة على الأدب
المحافظ متأثرة بالمدرسة الرومانسية الإنجليزية وقد نهجت في كتابها
"الديوان" المنهج ذاته الذي نهجته" مجموعة الكنز الذهبي"وشعارها هو بيت
"عبد الرحمن شكري"في قصيدته "ضوء الفجر" :
ألا يــــا طـــائـر الفــــردو س إن الشــــعر وجــــدان .
وقد قامت هذه المدرسة على دعامتين أساسيتين هما :
• سعة ثقافة أصحابها : فقد عكفت هذه المدرسة على التراث العربي الأصيل وأعطته حقه من التحصيل والتحليل والدراسة
•
الإطلاع الواسع على الأدب الغربي : لقد اهتمت هذه الجماعة بعيون الآداب
الأوروبية الغربية وخاصة الأدب الإنجليزي الذي نال قسطا وافرا من الاهتمام .
وقد تميزت أعمال جماعة الديوان ببعض الخصائص الفنية نجملها فيما يأتي :
* كان أدبهم إنسانيا يحمل رسالة سامية ، ويرون أنه يجب على الأديب أن يطيل التفكير في الحياة وما تحمله من قسوة وهموم .
* البعد عن الصنعة والتكلف حتى يكون الأدب مفعما بالمشاعر القوية والأحاسيس الذاتية .
* دعوتهم إلى الشعر المرسل وتعدد القافية في القصيدة على خلاف النظام القديم.
* الصدق الفني في التجربة الشعورية لأن القصيدة عندهم تنقل بصدق ما في نفس الشاعر من معان وانفعالات وأحاسيس .
2-
الرابطــــة القلميــة : تمثل شعراء المهجر الشماليين وهي مدرسة قائمة
بخصائصها في التعبير والتفكير . تأسست في الولايات المتحدة الأمريكية سنة
1920 ، برئاسة الشاعر جبران خليل جبران ومن أبرز أعضائها ميخائيل نعيمة
رشيد أيوب وإيليا أبي ماضي ونسيب عريضة وغيرهما من أدباء المهجر . تتميز
هذه الرابطة بدعوتها إلى التجديد ومبالغتها في ذكر الأوطان كما أنها لا
تلتزم بالدقة اللغوية وقواعد الصرف والنحو .
3-جمـاعــة أبـولـو (أبولو
رب الشعر والموسيقى عند اليونان ) : هي جماعة أدبية تأسست سنة 1932 دعا
إليها أحمد زكي المعروف بأبي شادي ، وقد ترأسها أمير الشعراء أحمد شوقي
وبوفاته في شهر أكتوبر من نفس السنة تزعمها الأديب خليل مطران ، وقد انضم
إليها علي محمود طه توفي سنة 1949 والشاعر أبو القاسم الشابي توفي سنة 1934
وكذلك الأديب إبراهيم ناجي ومحمود حسن اسماعيل ، وحسن الصيرفي والتيجاني
يوسف البشير .
لقد اتخذت الجماعة لنفسها مجلة فنية حملتها لسان حالها
دعتها مجلة "أبولو" برئاسة الدكتور أحمد زكي (أبو شادي) وراحت تروج لشعر دي
موسيه، وشيلر، وجورج ملتون ، وبودلير وغيرهم من الشعراء الأوروبيين
المجددين . وهذا الشاعر أحمد شوقي يصور آلام ومعاناة عاشها إخوانه في سوريا
:
بني سوريا اطرحـوا الأماني وألقـوا عنكم الأحلام ألقوا
فمن خدع السياسة أن تغروا بألقــاب الإمارة وهي رق
نصحت ونحن مختلفون دارا ولكــن كلنا في الهم شرق
ومن أهم خصائص هذه الجماعة : التجربة الشعرية ، الوحدة العضوية ، الانغماس في الطبيعة ، التجديد في القوالب والأوزان الشعرية .
4- جماعات أدبية أخرى :
• العصبة الأندلسيـة : ومن أبـرز شعرائهـا رشيد سليم الخوري .
• عصبة العشـــرة : // // // إلياس أبو شبكة .
• النادي الفينيقــي : // // // ميشال معلوف .
• الثالـوث الرومانسي: // // // أبو القاسم الشابي .
المذهـب الـواقعـي Le Réalisme
نص
استهلالي : ورد في كتاب الأدب ومذاهبه للدكتور محمد مندور ما يلي : " إن
الواقعية ليست الأخذ عن واقع الحياة وتصويره بخيره وشره كالآلة
الفوتوغرافية كما أنها ليست معالجة لمشاكل المجتمع ومحاولة حلها أو التوجه
نحو هذا الحل ، كما أنها ليست ضد أدب الخيال أو الأبراج العاجية ، وإنما هي
فلسفة في فهم الحياة والأحياء وتفسيرهما أو هي وجهة نظر خاصة ترى الحياة
من خلال منظار أسود " ويرون : " أن الشجاعة والاستهانة بالموت لو نقبنا عن
حقيقتها لوجدناها يأسا من الحياة أو ضرورة لا مفر منها ، والكرم في حقيقته
أثرة تأخذ مظهر المباهاة ، والمجد والخلود تكالب على الحياة وإيهام للنفس
بدوامها أو استمرارها . وهكذا الأمر في كافة القيم المثالية التي نسميها
قيما خيرة ، فهي ليست واقع الحياة الحقيقية وإنما الواقع هو الأثرة وما
ينبعث عنها من شرور وقسوة ووحشية " .
1- تعريف الواقعية
تمثل
الواقعية الجانب الواقعي من المجتمع والحياة ، فهي ترى أن الحياة كلها شر
ووبال وأن الإنسان لا يستطيع أن يعيش إلا إذا كان ماكرا ومخادعا .
2- نشأتها
نشأ
هذا المذهب في الثلث الثاني من القرن 19م تحت تأثير الحركة العلمية
والفلسفية ونتيجة رد فعل للإفراط العاطفي الذي اتسمت به الرومانسية ؛ فقد
ازدهرا معا وتجاورا . وقد عمد الواقعيون إلى تشخيص الآفات الاجتماعية
وتصوير معاناة الطبقة الدنيا وبالغوا في ذلك حتى اتسم أدبهم بطابع تشاؤمي
ومسحة سوداء .
يعدّ بالزاك Balzac « 1850-1799 »الرائد الأول
للواقعية في فرنسا وقد خلف أكبر موسوعة في الأدب الواقعي وهي تشمل نحو 150
قصة أطلق عليها اسم الكوميديا البشرية وتمثل قطاعات مختلفة من الحياة ، كما
نجد عدة أدباء آخرين من فرنسا في مجال الواقعية مثل غوستاف
فلوبار"1821-1880 " وهو صاحب الأعمال الأدبية المتميّزة مثل السيدة بوفاري
Bovary Madame وقصة أخرى عنوانها Salammbo وغيرهما من الأعمال الأدبية
القيمة