بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة و السّلام على رسولنا محمد وعلى آله و أصحابه أجمعين .
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
مرض الخرس الزوجي (الأسباب العلاج)
بدر عبد الحميد هميسه
الخرس في الحياة الزوجية مرض قاتل وداء فتاك، يقضي على الأسس والأصول التي
ينبغي أن تبنى عليها الحياة الزوجية، والتي أرشدنا إليها القرآن الكريم في
قوله - سبحانه -: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ
لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ
بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ
يَتَفَكَّرُونَ) (21) سورة الروم.
وأرشدنا إليها النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - حينما حثنا على الزواج من ذوات الأبكار، فعَنْ جَابِرٍ، قَالَ: ((
هَلَكَ أَبِي، وَتَرَكَ سَبْعَ بَنَاتٍ، أَوْ تِسْعَ بَنَاتٍ،
فَتَزَوَّجْتُ امْرَأَةً ثَيِّبًا، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم -: تَزَوَّجْتَ يَا جَابِرُ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: بِكْرًا
أَمْ ثَيِّبًا؟ قُلْتُ: بَلْ ثَيِّبًا، قَالَ: فَهَلاَّ جَارِيَةً
تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ، وَتُضَاحِكُهَا وَتُضَاحِكُكَ؟ قَالَ:
فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ عَبْدَ اللهِ هَلَكَ، وَتَرَكَ بَنَاتٍ، وَإِنِّي
كَرِهْتُ أَنْ أَجِيئَهُنَّ بِمِثْلِهِنَّ، فَتَزَوَّجْتُ امْرَأَةً
تَقُومُ عَلَيْهِنَّ وَتُصْلِحُهُنَّ، فَقَالَ: بَارَكَ اللهُ لَكَ، أَوْ
قَالَ خَيْرًا)). أخرجه "أحمد" 3/308(14357) و"البُخَارِي" (4052) و"مسلم" 4/176(3629) والتِّرْمِذِيّ" 1100.
والخرس الزوجي يبعث على مشاعر اليأس لدى كثير من السيدات، حيث ترى زوجها
إذا كان خارج البيت يضحك ويمازح، فإذا ما دخل إلى بيته أصيب بسكتة كلامية،
كما أن هذا الخرس يستثير الرجل ويزعجه بصورة كبيرة، ويترتب على الصمت الذي
تغرق فيه العلاقة الزوجية حدوث أزمة حقيقية يترتب عليها مشاكل صحية، ونفسية
واجتماعية، بل ويتأثر به الأولاد تأثراً مباشراً فلا يعرفون فن الحوار ولا
يجيدون فن الاتصال والتواصل مع الناس.
ومرض الخرس في الحياة الزوجية له أسباب كثيرة منها:
1- أثر التنشئة: فقد ينشأ الزوجان في بيت يعاني من هذا المرض فيتوارثانه، ولا يستطيعان التخلص منه.
2- انعدام الكفاءة بين الزوجين: فقد تختلف ثقافة واهتمامات كل منهما عن الآخر؛ لعامل السن، أو التعليم، أو التربية، فلا يستطيعان التواصل.
3-بعض السلوكيات المنفرة من أحد الزوجين: فالسلوكيات والتصرفات المنفرة من أحد الزوجين قد تدفع الطرف الآخر إلى تجنب الحديث معه؛ إيثاراً للسلامة، وبعداً عن الشقاق والخلاف.
سمعت الصحيفة المشهورة بهذه الزيجة الناجحة التي استمرت لمدة ستين عاماً،
وزادت الدهشة عندما وصلت تقارير المراسلين تقول: أن الجيران أجمعوا على أن
الزوجين عاشا حياة مثالية، ولم تدخل المشاكل أبداً إلى بيت هذين الزوجين
السعيدين، هنا أرسلت الصحيفة أكفأ محرريها؛ ليعد تحقيقاً مع الزوجين
المثاليين، وينشره ليعرف الناس كيف يصنعون حياة زوجية سعيدة؟.. المهم
المحرر قرر أن يقابل كلا الزوجين على انفراد؛ ليتسم الحديث بالموضوعية وعدم
تأثير الطرف الآخر عليه، بدأ بالزوج سيدي: هل صحيح أنك أنت وزوجتك عشتما
ستون عاماً في حياة زوجية سعيدة بدون أي منغصات؟ نعم يا بني، ولمن يعود
الفضل في ذلك؟ يعود ذلك إلى رحلة شهر العسل، فقد كانت الرحلة إلى إحدى
البلدان التي تشتهر بجبالها الرائعة، وفي أحد الأيام، استأجرنا بغلين؛
لنتسلق بهما إحدى الجبال، حيث كانت تعجز السيارات عن الوصول لتلك المناطق.
وبعد أن قطعنا شوطاً طويلاً، توقف البغل الذي تركبه زوجتي ورفض أن يتحرك،
غضبت زوجتي وقالت: هذه الأولى، ثم استطاعت أن تقنع البغل أن يواصل الرحلة،
بعد مسافة توقف البغل الذي تركبه زوجتي مرةً أخرى، ورفض أن يتحرك، غضبت
زوجتي وصاحت قائلةً: هذه الثانية، ثم استطاعت أن تجعل البغل يواصل الرحلة،
وبعد مسافة أخرى توقف البغل الذي تركبه زوجتي، وأعلن العصيان كما في
المرتين السابقتين، فنزلت زوجتي من على ظهره، وقالت بكل هدوء: وهذه الثالثة
ثم سحبت مسدساً من حقيبتها، وأطلقت النار على رأس البغل، فقتلته في
الحال.. فثارت ثائرتي، وانطلقت أوبخها، لماذا فعلت ذلك؟ كيف سنعود أدراجنا
الآن؟ كيف سندفع ثمن البغل؟ انتظرت زوجتي حتى توقفت عن الكلام، ونظرت إليّ
بهدوء وقالت: هذه الأولى.
4- عدم استماع الزوج إلى زوجته، وعدم استماعها إليه، إضافة إلى عدم اهتمام كل منهما بمشاعر الآخر وباهتماماته وهواياته.
5- ضغوط الحياة الاقتصادية، وكثرة الأعباء والمسئوليات، قد تجعل أحد الزوجين ينصرف عن الآخر.
6- التكبر والتعالي من أحد الزوجين:
فقد يتكبر أحد الزوجين ويتعالى على الآخر، وينظر إليه بازدراء، فيضطر
الطرف الآخر للانصراف عنه، أو قد يفهم بعض الرجال مفهوم القوامة على غير
وجهها الصحيح، فيظن أن القوامة تعالياً على الزوجة، ووضع للفواصل بينه
وبينها، وينسى قول الله - تعالى -: (هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ) 187سورة البقرة، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (( خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِى)) أخرجه ابن ماجة(1977) عن ابن عباس - رضي الله عنه-.
فيعتقد هذا الزوج أن ملاطفة الزوجة وملاعبتها يعد انتقاصاً لرجولته، أو
سقوطاً لهيبته ومنزلته، وهذا مخالف لهدي نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم
-، الذي كان يداعب أزواجه ويضاحكهن ويلاطفهن، والأخبار في هذا مشهورة
معلومة، فمنها: قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: ((كل ما يلهو به الرجل المسلم باطلٌ إلا رميه بقوسه، وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله فإنهن من الحق)) رواه الترمذي(1637) وقال: حديث حسن صحيح.
ولقد طبق - صلى الله عليه وسلم - هذا النهج عملياً في حياته، وفي معاملته مع زوجاته.
وهناك الحديث المشهور الذي روته كتب السنن، حينما جلس - صلى الله عليه وسلم
- مع أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - يسامرها فحكت له قصة طويلة
فقالت: " جَلَسَ إِحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةً فَتَعَاهَدْنَ وَتَعَاقَدْنَ أَنْ لَا يَكْتُمْنَ مِنْ أَخْبَارِ أَزْوَاجِهِنَّ شَيْئًا" وهي
قصة أم زرع، والقصة بطولها في: البخاري (5/1988، رقم 4893)، والترمذي في
الشمائل (1/209، رقم 254). وأخرجه أيضًا: مسلم (4/1896، رقم 2448)،
والنسائي في الكبرى (5/354، رقم 9138)، وأبو يعلى (8/154، رقم 4701)، وابن
حبان (16/25، رقم 7104).
وكذا مسابقته - صلى الله عليه وآله وسلم - لعائشة-رضي الله عنها-، فقد حدثت
-أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها- أنها كانت مع النبي - صلى الله عليه
وسلم - في سفرٍ قالت: فسابقته فسبقته على رجلي، فلما حملتُ اللحم سابقته فسبقني، فقال: ((هذه بتلك السبقة)) رواه أحمد(23598)، وأبو داود(2578) واللفظ له، وقال الألباني: صحيح. ورواه ابن ماجه(1979)
وأيضاً، وفي صلح الحديبية لما فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من
كتابة المعاهدة، ووجد بعض الصحابة أن في بعض هذه الشروط إجحاف وظلم على
المسلمين حتى أن عمر بن الخطاب قال: (( فَأَتَيْتُ
نَبِيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ: أَلَسْتَ نَبِيَّ اللهِ
حَقًّا؟ قَالَ: بَلَى، قُلْتُ: أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ، وَعَدُوُّنَا
عَلَى الْبَاطِلِ؟ قَالَ: بَلَى، قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي
دِينِنَا إِذًا؟ قَالَ: فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قَضِيَّةِ الْكِتَابِ، قَالَ
رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لأَصْحَابِهِ: قُومُوا فَانْحَرُوا،
ثُمَّ احْلِقُوا، قَالَ: فَوَاللهِ، مَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ، حَتَّى
قَالَ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ،
دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنَ النَّاسِ،
فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَتُحِبُّ ذَلِكَ، اخْرُجْ،
ثُمَّ لا تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً، حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ،
وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ، فَخَرَجَ، فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا
مِنْهُمْ، حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ، نَحَرَ بُدْنَهُ، وَدَعَا حَالِقَهُ
فَحَلَقَهُ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا فَنَحَرُوا، وَجَعَلَ
بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا، حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا
غَمًّا)) أخرجه أحمد 4/323(19116) و"البُخَارِي" 2/206(1694 و1695) (السيرة النبوية لابن كثير 3/335.
حتى في المواقف التي تحتاج إلى تعليم وزجر، لم ينس - صلى الله عليه وسلم -
أن يفتح حواراً مع زوجاته؛ ليصحح المفهوم، ويبين الخطأ، ولا يترك الحل
للصمت وأخذ المواقف السلبية، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَحرَمَةَ
بْنِ الْمُطَّلِبِ، انَّهُ قَالَ يَوْما: إلا أحدثكم عَنِّى وَعَنْ امِّى،
قَالَ فَظَنَنَّا انَّهُ يُرِيدُ أمه التي وَلَدَتْهُ، قال: قَالَتْ:
عَائِشَةُ إلا أحدثكم عَنِّى وَعَنْ رَسُولِ اللَّه ِ - صلى الله عليه وسلم
- قلنا بَلَى، قال: قَالَتْ: ((لَمَّا كَانَتْ
ليلتي التي كَانَ النَبِيُّ ُ - صلى الله عليه وسلم - فيها عندي، انْقَلَبَ
فَوَضَعَ رِدَاءَهُ، وَخَلَعَ نَعْلَيْهِ، فَوَضَعَهُمَا عِنْدَ
رِجْلَيْهِ، وَبَسَطَ طَرَفَ إزاره عَلَى فِرَاشِهِ، فَاضْطَجَعَ، فَلَمْ
يَلْبَثْ إلا رَيْثَمَا ظَنَّ أن قَدْ رَقَدْتُ، فَاخذَ رِدَاءَهُ
رُوَيْدا، وَانْتَعَلَ رُوَيْدا، وَفَتَحَ الْبَابَ فَخرَجَ، ثُمَّ
اجَافَهُ رُوَيْدا، فَجَعَلْتُ درعي في راسي، وَاخْتَمَرْتُ، وَتَقَنَّعْتُ
ازَارِى، ثُمَّ انْطَلَقْتُ عَلَى أثره، حَتَّى جَاءَ الْبَقِيعَ فَقَامَ،
فأطال الْقِيَامَ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ
انْحَرَفَ فَانْحَرَفْتُ، فأسرع فأسرعت، فَهَرْوَلَ فَهَرْوَلْتُ،
فَاحْضَرَ فأحضرت، فَسَبَقْتُهُ فَدَخَلْت، فَلَيْسَ إلا إن اضْطَجَعْتُ
فَدَخَل، فَقال: مَا لَكِ يَا عَائِشُ؟ حَشْيَا رَابِيَةً، قَالَتْ:
قُلْتُ: لا شَيْء، قال: لَتُخْبِِِرِينِِي أو ليخبرني اللَّطِيفُ
الْخَبِير، قَالَتْ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ بأبي أنت وَأمِّي، فأخبرته
قال: فأنت السَّوَادُ الذي رأيت أمَامِي؟، قُلْت: نَعَمْ، فَلَهَدَنِي في
صدري لَهْدَةً أوجعتني، ثُمَّ قال: أظننت أن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْكِ
وَرَسُولُهُ؟ قَالَتْ: مَهْمَا يَكْتُمِ النَّاسُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ،
نَعَمْ، قال: فَإنَّ جِبْرِيلَ أتَانِي حِينَ رأيت، فَنَادَانِي. فَأخفَاهُ
مِنْكِ، فأجبته، فَأخفَيْتُهُ مِنْكِ، وَلَمْ يَكُنْ يَدْخلُ عَلَيْكِ
وَقَدْ وَضَعْتِ ثِيَابَك، وَظَنَنْتُ أن قَدْ رَقَدْتِ، فَكَرِهْتُ أن
أوقظك، وَخشِيتُ أن تستوحشي فَقال: إن رَبَّكَ يأمرك أن تأتى أهل
الْبَقِيعِ فَتَسْتَغْفِرَ لَهُمْ، قَالَتْ: قُلْت: كَيْفَ أقول لَهُمْ يَا
رَسُولَ اللَّهِ؟ قال: قولي: السَّلامُ عَلَى أهل الدِّيَارِ مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَيَرْحَمُ اللَّهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ
مِنَّا وَالْمُسْتَأخرينَ وإنا، إن شاء اللَّهُ بِكُمْ لَلاحِقُونَ)) أخرجه أحمد 6/221. و"مسلم" 3/64.
ولعلاج مشكلة الخرس في الحياة الزوجية يجب فوراً أن
يتوقفا عن تلك السلبية المميتة، وأن يضعا الحلول المناسبة لتلك المشكلة ومن
هذا الحلول:
1- الاتفاق على آلية لحل الخلافات، ومواجهة المشكلات، وأن تحاول الزوجة
امتصاص غضب الزوج، وأن يحاولا التجاوز عن الهفوات والصغائر، ولا تغلبهما
التوافه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم -: ((لاَ يَفْرَكُ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ)) أخرجه أحمد 2/329(8345) و"مسلم" 3639 و"أبو يَعْلَى" 6418.
قال الشافعي ناصحا زوجته:
خذي العفو مني تستديمي مَوَدَتِي*** ولا تنطقي في سورتي حين أغضب
ولا تنقريني نقرك الدف مرةً*** فإنك لا تدرين كيف المُغَيَبُ
ولا تكثري الشكوى فتذهب بالهوى*** ويأباك قلبي والقلوبُ تُقَلَّبُ
فإني وجدت الحب في القلب والأذى*** إذا اجتمعا لم يلبث الحب يذهبُ
2- فهم كل منهما لطبيعة الآخر ومعرفة
ما َيسعده وما يزعجه، عنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ لِي
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((إِني
لأعلم إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى
قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَمِنْ أين تَعْرِفُ ذَالِكَ؟ قَالَ: أما إِذَا كُنْتِ
عَنِّي رَاضِيَةً، فَإِنَّكِ تَقُولِينَ: لا وَرَبِّ مُحَمَّدٍ، وَإِذَا
كُنْتِ غَضْبَى، قُلْتِ: لا وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ، قَالَتْ: قلْتُ: أجَلْ،
وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا اهْجُرُ إِلاَّ اسْمَكَ)) أخرجه أحمد 6/30 و"البُخَارِي" 7/47 وفي (الأدب المفرد) (403) و"مسلم" 7/134.
2- أن يشارك كلاً منهما الآخر في اهتماماته، وأن يتعرف على هواياته، ويتحدث معه في أمور تجذب اهتمامه.
عَنْ سَعْدٍ بن أبي وقاص - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ، - صلى الله
عليه وسلم - دَخَلَ عَلَيْهِ يَعُودُهُ وَهُوَ مَرِيضٌ بِمَكَّةَ،
فَقُلْتُ: ((يَا رَسُولَ اللَّهِ: أُوصِي بِمَالِي
كُلِّهِ، قَالَ: لاَ، قُلْتُ: فَبِالشَّطْرِ، قَالَ: لاَ، قُلْتُ:
فَبِالثُّلُثِ، قَالَ: الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَبِيرٌ، أَوْ كَثِيرٌ،
إِنَّكَ أَنْ تَدَعَ وَارِثَكَ غَنِيًّا خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُ
فَقِيرًا يَتَكَفَّفُ النَّاسَ، وَإِنَّكَ مَهْمَا أَنْفَقْتَ عَلَى
أَهْلِكَ مِنْ نَفَقَةٍ فَإِنَّكَ تُؤْجَرُ فِيهَا حَتَّى اللُّقْمَةَ
تَرْفَعُهَا إِلَى في امْرَأَتِكَ، قَالَ: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ يَوْمَئِذٍ
إِلاَّ ابْنَةٌ، فَذَكَرَ سَعْدٌ الْهِجْرَةَ، فَقَالَ: يَرْحَمُ اللَّهَ
ابْنَ عَفْرَاءَ وَلَعَلَّ اللَّهَ يَرْفَعُكَ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ
قَوْمٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ)) أخرجه أحمد 1/172(1482) و"النَّسَائي" 6/242، وفي "الكبرى" 6423.
3- على الزوجة أن تبحث عما يجعل الزوج يتجنب الحديث معها، فلربما بردت
مشاعره وصار يشعر وكأن بينكما حاجزاً بسبب سلوكيات من جانبك جرحت كرامته
كرجل في الماضي أو ترسبات من عدة مشكلات، حاولي تجديد علاقتك به وأعطيه ثقة
أكبر في أهميته لديك، وعدلي من أسلوبك وكوني أكثر رقة.
4- كوني أنت البادئة بالحديث، فالزوج لديه اهتمامات، ومشاغل كثيرة، وهموم
حياتية قد تشغله عن الحديث، ولا تنتقديه بصورة دائمة حتى لا يجعل من ذلك
عذراً لعدم التحدث معك.
وحاولي إضفاء جو من المرح داخل البيت، فالبيوت السعيدة لا تستغني عن جو المرح والألفة بين أفرادها.
عن عائشة قالت: ((أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم -
بخزيرة طبختها له، فقلت لسودة: كلي والنبي -صلى الله عليه وسلم- بيني
وبينها، فقلت: لتأكلن أو لألطخن وجهك، فأبت فوضعت يدي في الخزيرة فطليت بها
وجهها، فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - فوضع فخذه لها، وقال لسودة:
الطخي وجهها، فلطخت وجهي، فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم – أيضًا، فمر
عمر فنادى يا عبد الله يا عبد الله، فظن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه
سيدخل، فقال: قوما فاغسلا وجوهكما، قالت عائشة: فما زلت أهاب عمر لهيبة
رسول الله - صلى الله عليه وسلم – إياه)) أخرجه أبو يعلى (7/449، رقم 4476)، وابن عساكر (44/90). الهيثمى (4/316) السلسلة الصحيحة 10/21.
5- لا تكرري عليه أسئلة وتنتظري منه إجابة فورية، وإلا ستشعرينه وكأنك
تحققين معه، وتقيدين حريته، وبذلك ينفر من حوارك ولن يتحدث إليك، ولكن
اسأليه برقة ولا تجعليه يضطر إلى الكذب هروباً من أسئلتك.
6- أحيانا يكون الرجل في حاجة إلى قسط من الحرية، وأن يكون منفرداً بنفسه
فاحترمي رغبته، ولا تقطعي خلوته فالصمت هنا ليس مرضياً، ولو حديثك ضروري
ضعي له ورقه يقرأها ويرد وقتما يكون مستعداً.
7- ليكن لأفراد الأسرة جلسة أسبوعية يحكي كل واحد ما واجهه خلال الأسبوع من مشكلات واقتراح الحلول المناسبة لتلك المشكلات.
8- التذكر الدائم للذكريات السعيدة الطيبة، وتجنب التذكر للذكريات التعيسة
المؤلمة، تذكرا مثلا (فترة الخطوبة) وكيف كان كل منكما ينصت إلى الآخر
باهتمام ويحاول أن لا تفوته كلمة واحدة من كلماته، فليعبر كل منكما عن
مشاعره تجاه الآخر، فالتعبير عن المشاعر يحيي مشاعر المودة والحب والتآلف.
قال ابن دراج وهو يودع زوجته مسافراً:
ولمَّا تدانت للوداع وقد هفا *** بصبريَ منها أنَّة وزفيرُ
تناشدني عهد المودَّة والهَوَى *** وفي المهدِ مبغوم النداء صغيرُ
وطار جناح البين بي وهَفَتْ بها *** جوانح من ذعر الفراق تطيرُ
وقد تظهر العواطف في تشوق في حال غيبة، كما قال المحدث ابن حجر متشوقا إلى زوجته ليلى الحلبية:
رحلت وخلفت الحبيب بداره *** برغمي، ولم اجنح إلى غيره ميلا
أشاغل نفسي بالحديث تعللا *** نهاري، وفي ليلي احن إلى ليلى
وقد تظهر هذه العواطف الرقيقة في وصية
عند حضور الموت، كما قال يحيى الهندي الأندلسي يوصي بان يدفن حذاء زوجنه
التي توفيت قبله، وحزن عليها حزنا بالغاً:
إذا مت فادفني حذاء خليلتي *** يخالط عظمي في التراب عظامها
ورتب ضريحي كيفما شاءه الهوى *** تكون أمامي أو أكون أمامها
لعمل إله العرش يجبر صرعتي *** فيعلي مقامي عنده ومقامها
وكما قالت الذلفاء ترثي زوجها نجدة بن الأسود:
سئمت حياتي حين فارقت قبره *** ورحت وماء العين ينهل هاملُه
وقالت نساء الحي: قد مات قبله *** شريف فلم تهلك عليه حلائلُه
صدقن، لقد مات الرجال، ولم يمت *** كنجدة من إخوانه من يعادلُه
إن للتعبير عن المشاعر أهمية كبيرة
حياة الإنسان؛ إذ أنها لا تقتصر على الإفصاح عما بداخل الإنسان فقط، وإنما
تتعدى ذلك إلى ارتباطها بنواحي الحياة الإنسانية وظهور أو انعدام الحرية.
وبما أن التعبير عن المشاعر هو أحد أساليب التواصل عند الإنسان مع الآخرين،
فإن تعبير الزوجين عن مشاعرهما دليل على استمرار الحب والود، وسبيل إلى
نجاح واستمرار الحياة الزوجية.
ملأ الله بيوتنا بالإيمان وعمرها بالقرآن ووقانا شر فتن الشيطان، إنه الكريم المجيب المنان.
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة و السّلام على رسولنا محمد وعلى آله و أصحابه أجمعين .
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
مرض الخرس الزوجي (الأسباب العلاج)
بدر عبد الحميد هميسه
الخرس في الحياة الزوجية مرض قاتل وداء فتاك، يقضي على الأسس والأصول التي
ينبغي أن تبنى عليها الحياة الزوجية، والتي أرشدنا إليها القرآن الكريم في
قوله - سبحانه -: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ
لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ
بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ
يَتَفَكَّرُونَ) (21) سورة الروم.
وأرشدنا إليها النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - حينما حثنا على الزواج من ذوات الأبكار، فعَنْ جَابِرٍ، قَالَ: ((
هَلَكَ أَبِي، وَتَرَكَ سَبْعَ بَنَاتٍ، أَوْ تِسْعَ بَنَاتٍ،
فَتَزَوَّجْتُ امْرَأَةً ثَيِّبًا، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم -: تَزَوَّجْتَ يَا جَابِرُ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: بِكْرًا
أَمْ ثَيِّبًا؟ قُلْتُ: بَلْ ثَيِّبًا، قَالَ: فَهَلاَّ جَارِيَةً
تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ، وَتُضَاحِكُهَا وَتُضَاحِكُكَ؟ قَالَ:
فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ عَبْدَ اللهِ هَلَكَ، وَتَرَكَ بَنَاتٍ، وَإِنِّي
كَرِهْتُ أَنْ أَجِيئَهُنَّ بِمِثْلِهِنَّ، فَتَزَوَّجْتُ امْرَأَةً
تَقُومُ عَلَيْهِنَّ وَتُصْلِحُهُنَّ، فَقَالَ: بَارَكَ اللهُ لَكَ، أَوْ
قَالَ خَيْرًا)). أخرجه "أحمد" 3/308(14357) و"البُخَارِي" (4052) و"مسلم" 4/176(3629) والتِّرْمِذِيّ" 1100.
والخرس الزوجي يبعث على مشاعر اليأس لدى كثير من السيدات، حيث ترى زوجها
إذا كان خارج البيت يضحك ويمازح، فإذا ما دخل إلى بيته أصيب بسكتة كلامية،
كما أن هذا الخرس يستثير الرجل ويزعجه بصورة كبيرة، ويترتب على الصمت الذي
تغرق فيه العلاقة الزوجية حدوث أزمة حقيقية يترتب عليها مشاكل صحية، ونفسية
واجتماعية، بل ويتأثر به الأولاد تأثراً مباشراً فلا يعرفون فن الحوار ولا
يجيدون فن الاتصال والتواصل مع الناس.
ومرض الخرس في الحياة الزوجية له أسباب كثيرة منها:
1- أثر التنشئة: فقد ينشأ الزوجان في بيت يعاني من هذا المرض فيتوارثانه، ولا يستطيعان التخلص منه.
2- انعدام الكفاءة بين الزوجين: فقد تختلف ثقافة واهتمامات كل منهما عن الآخر؛ لعامل السن، أو التعليم، أو التربية، فلا يستطيعان التواصل.
3-بعض السلوكيات المنفرة من أحد الزوجين: فالسلوكيات والتصرفات المنفرة من أحد الزوجين قد تدفع الطرف الآخر إلى تجنب الحديث معه؛ إيثاراً للسلامة، وبعداً عن الشقاق والخلاف.
سمعت الصحيفة المشهورة بهذه الزيجة الناجحة التي استمرت لمدة ستين عاماً،
وزادت الدهشة عندما وصلت تقارير المراسلين تقول: أن الجيران أجمعوا على أن
الزوجين عاشا حياة مثالية، ولم تدخل المشاكل أبداً إلى بيت هذين الزوجين
السعيدين، هنا أرسلت الصحيفة أكفأ محرريها؛ ليعد تحقيقاً مع الزوجين
المثاليين، وينشره ليعرف الناس كيف يصنعون حياة زوجية سعيدة؟.. المهم
المحرر قرر أن يقابل كلا الزوجين على انفراد؛ ليتسم الحديث بالموضوعية وعدم
تأثير الطرف الآخر عليه، بدأ بالزوج سيدي: هل صحيح أنك أنت وزوجتك عشتما
ستون عاماً في حياة زوجية سعيدة بدون أي منغصات؟ نعم يا بني، ولمن يعود
الفضل في ذلك؟ يعود ذلك إلى رحلة شهر العسل، فقد كانت الرحلة إلى إحدى
البلدان التي تشتهر بجبالها الرائعة، وفي أحد الأيام، استأجرنا بغلين؛
لنتسلق بهما إحدى الجبال، حيث كانت تعجز السيارات عن الوصول لتلك المناطق.
وبعد أن قطعنا شوطاً طويلاً، توقف البغل الذي تركبه زوجتي ورفض أن يتحرك،
غضبت زوجتي وقالت: هذه الأولى، ثم استطاعت أن تقنع البغل أن يواصل الرحلة،
بعد مسافة توقف البغل الذي تركبه زوجتي مرةً أخرى، ورفض أن يتحرك، غضبت
زوجتي وصاحت قائلةً: هذه الثانية، ثم استطاعت أن تجعل البغل يواصل الرحلة،
وبعد مسافة أخرى توقف البغل الذي تركبه زوجتي، وأعلن العصيان كما في
المرتين السابقتين، فنزلت زوجتي من على ظهره، وقالت بكل هدوء: وهذه الثالثة
ثم سحبت مسدساً من حقيبتها، وأطلقت النار على رأس البغل، فقتلته في
الحال.. فثارت ثائرتي، وانطلقت أوبخها، لماذا فعلت ذلك؟ كيف سنعود أدراجنا
الآن؟ كيف سندفع ثمن البغل؟ انتظرت زوجتي حتى توقفت عن الكلام، ونظرت إليّ
بهدوء وقالت: هذه الأولى.
4- عدم استماع الزوج إلى زوجته، وعدم استماعها إليه، إضافة إلى عدم اهتمام كل منهما بمشاعر الآخر وباهتماماته وهواياته.
5- ضغوط الحياة الاقتصادية، وكثرة الأعباء والمسئوليات، قد تجعل أحد الزوجين ينصرف عن الآخر.
6- التكبر والتعالي من أحد الزوجين:
فقد يتكبر أحد الزوجين ويتعالى على الآخر، وينظر إليه بازدراء، فيضطر
الطرف الآخر للانصراف عنه، أو قد يفهم بعض الرجال مفهوم القوامة على غير
وجهها الصحيح، فيظن أن القوامة تعالياً على الزوجة، ووضع للفواصل بينه
وبينها، وينسى قول الله - تعالى -: (هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ) 187سورة البقرة، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (( خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِى)) أخرجه ابن ماجة(1977) عن ابن عباس - رضي الله عنه-.
فيعتقد هذا الزوج أن ملاطفة الزوجة وملاعبتها يعد انتقاصاً لرجولته، أو
سقوطاً لهيبته ومنزلته، وهذا مخالف لهدي نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم
-، الذي كان يداعب أزواجه ويضاحكهن ويلاطفهن، والأخبار في هذا مشهورة
معلومة، فمنها: قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: ((كل ما يلهو به الرجل المسلم باطلٌ إلا رميه بقوسه، وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله فإنهن من الحق)) رواه الترمذي(1637) وقال: حديث حسن صحيح.
ولقد طبق - صلى الله عليه وسلم - هذا النهج عملياً في حياته، وفي معاملته مع زوجاته.
وهناك الحديث المشهور الذي روته كتب السنن، حينما جلس - صلى الله عليه وسلم
- مع أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - يسامرها فحكت له قصة طويلة
فقالت: " جَلَسَ إِحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةً فَتَعَاهَدْنَ وَتَعَاقَدْنَ أَنْ لَا يَكْتُمْنَ مِنْ أَخْبَارِ أَزْوَاجِهِنَّ شَيْئًا" وهي
قصة أم زرع، والقصة بطولها في: البخاري (5/1988، رقم 4893)، والترمذي في
الشمائل (1/209، رقم 254). وأخرجه أيضًا: مسلم (4/1896، رقم 2448)،
والنسائي في الكبرى (5/354، رقم 9138)، وأبو يعلى (8/154، رقم 4701)، وابن
حبان (16/25، رقم 7104).
وكذا مسابقته - صلى الله عليه وآله وسلم - لعائشة-رضي الله عنها-، فقد حدثت
-أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها- أنها كانت مع النبي - صلى الله عليه
وسلم - في سفرٍ قالت: فسابقته فسبقته على رجلي، فلما حملتُ اللحم سابقته فسبقني، فقال: ((هذه بتلك السبقة)) رواه أحمد(23598)، وأبو داود(2578) واللفظ له، وقال الألباني: صحيح. ورواه ابن ماجه(1979)
وأيضاً، وفي صلح الحديبية لما فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من
كتابة المعاهدة، ووجد بعض الصحابة أن في بعض هذه الشروط إجحاف وظلم على
المسلمين حتى أن عمر بن الخطاب قال: (( فَأَتَيْتُ
نَبِيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ: أَلَسْتَ نَبِيَّ اللهِ
حَقًّا؟ قَالَ: بَلَى، قُلْتُ: أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ، وَعَدُوُّنَا
عَلَى الْبَاطِلِ؟ قَالَ: بَلَى، قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي
دِينِنَا إِذًا؟ قَالَ: فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قَضِيَّةِ الْكِتَابِ، قَالَ
رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لأَصْحَابِهِ: قُومُوا فَانْحَرُوا،
ثُمَّ احْلِقُوا، قَالَ: فَوَاللهِ، مَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ، حَتَّى
قَالَ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ،
دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنَ النَّاسِ،
فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَتُحِبُّ ذَلِكَ، اخْرُجْ،
ثُمَّ لا تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً، حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ،
وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ، فَخَرَجَ، فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا
مِنْهُمْ، حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ، نَحَرَ بُدْنَهُ، وَدَعَا حَالِقَهُ
فَحَلَقَهُ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا فَنَحَرُوا، وَجَعَلَ
بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا، حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا
غَمًّا)) أخرجه أحمد 4/323(19116) و"البُخَارِي" 2/206(1694 و1695) (السيرة النبوية لابن كثير 3/335.
حتى في المواقف التي تحتاج إلى تعليم وزجر، لم ينس - صلى الله عليه وسلم -
أن يفتح حواراً مع زوجاته؛ ليصحح المفهوم، ويبين الخطأ، ولا يترك الحل
للصمت وأخذ المواقف السلبية، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَحرَمَةَ
بْنِ الْمُطَّلِبِ، انَّهُ قَالَ يَوْما: إلا أحدثكم عَنِّى وَعَنْ امِّى،
قَالَ فَظَنَنَّا انَّهُ يُرِيدُ أمه التي وَلَدَتْهُ، قال: قَالَتْ:
عَائِشَةُ إلا أحدثكم عَنِّى وَعَنْ رَسُولِ اللَّه ِ - صلى الله عليه وسلم
- قلنا بَلَى، قال: قَالَتْ: ((لَمَّا كَانَتْ
ليلتي التي كَانَ النَبِيُّ ُ - صلى الله عليه وسلم - فيها عندي، انْقَلَبَ
فَوَضَعَ رِدَاءَهُ، وَخَلَعَ نَعْلَيْهِ، فَوَضَعَهُمَا عِنْدَ
رِجْلَيْهِ، وَبَسَطَ طَرَفَ إزاره عَلَى فِرَاشِهِ، فَاضْطَجَعَ، فَلَمْ
يَلْبَثْ إلا رَيْثَمَا ظَنَّ أن قَدْ رَقَدْتُ، فَاخذَ رِدَاءَهُ
رُوَيْدا، وَانْتَعَلَ رُوَيْدا، وَفَتَحَ الْبَابَ فَخرَجَ، ثُمَّ
اجَافَهُ رُوَيْدا، فَجَعَلْتُ درعي في راسي، وَاخْتَمَرْتُ، وَتَقَنَّعْتُ
ازَارِى، ثُمَّ انْطَلَقْتُ عَلَى أثره، حَتَّى جَاءَ الْبَقِيعَ فَقَامَ،
فأطال الْقِيَامَ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ
انْحَرَفَ فَانْحَرَفْتُ، فأسرع فأسرعت، فَهَرْوَلَ فَهَرْوَلْتُ،
فَاحْضَرَ فأحضرت، فَسَبَقْتُهُ فَدَخَلْت، فَلَيْسَ إلا إن اضْطَجَعْتُ
فَدَخَل، فَقال: مَا لَكِ يَا عَائِشُ؟ حَشْيَا رَابِيَةً، قَالَتْ:
قُلْتُ: لا شَيْء، قال: لَتُخْبِِِرِينِِي أو ليخبرني اللَّطِيفُ
الْخَبِير، قَالَتْ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ بأبي أنت وَأمِّي، فأخبرته
قال: فأنت السَّوَادُ الذي رأيت أمَامِي؟، قُلْت: نَعَمْ، فَلَهَدَنِي في
صدري لَهْدَةً أوجعتني، ثُمَّ قال: أظننت أن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْكِ
وَرَسُولُهُ؟ قَالَتْ: مَهْمَا يَكْتُمِ النَّاسُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ،
نَعَمْ، قال: فَإنَّ جِبْرِيلَ أتَانِي حِينَ رأيت، فَنَادَانِي. فَأخفَاهُ
مِنْكِ، فأجبته، فَأخفَيْتُهُ مِنْكِ، وَلَمْ يَكُنْ يَدْخلُ عَلَيْكِ
وَقَدْ وَضَعْتِ ثِيَابَك، وَظَنَنْتُ أن قَدْ رَقَدْتِ، فَكَرِهْتُ أن
أوقظك، وَخشِيتُ أن تستوحشي فَقال: إن رَبَّكَ يأمرك أن تأتى أهل
الْبَقِيعِ فَتَسْتَغْفِرَ لَهُمْ، قَالَتْ: قُلْت: كَيْفَ أقول لَهُمْ يَا
رَسُولَ اللَّهِ؟ قال: قولي: السَّلامُ عَلَى أهل الدِّيَارِ مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَيَرْحَمُ اللَّهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ
مِنَّا وَالْمُسْتَأخرينَ وإنا، إن شاء اللَّهُ بِكُمْ لَلاحِقُونَ)) أخرجه أحمد 6/221. و"مسلم" 3/64.
ولعلاج مشكلة الخرس في الحياة الزوجية يجب فوراً أن
يتوقفا عن تلك السلبية المميتة، وأن يضعا الحلول المناسبة لتلك المشكلة ومن
هذا الحلول:
1- الاتفاق على آلية لحل الخلافات، ومواجهة المشكلات، وأن تحاول الزوجة
امتصاص غضب الزوج، وأن يحاولا التجاوز عن الهفوات والصغائر، ولا تغلبهما
التوافه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم -: ((لاَ يَفْرَكُ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ)) أخرجه أحمد 2/329(8345) و"مسلم" 3639 و"أبو يَعْلَى" 6418.
قال الشافعي ناصحا زوجته:
خذي العفو مني تستديمي مَوَدَتِي*** ولا تنطقي في سورتي حين أغضب
ولا تنقريني نقرك الدف مرةً*** فإنك لا تدرين كيف المُغَيَبُ
ولا تكثري الشكوى فتذهب بالهوى*** ويأباك قلبي والقلوبُ تُقَلَّبُ
فإني وجدت الحب في القلب والأذى*** إذا اجتمعا لم يلبث الحب يذهبُ
2- فهم كل منهما لطبيعة الآخر ومعرفة
ما َيسعده وما يزعجه، عنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ لِي
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((إِني
لأعلم إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى
قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَمِنْ أين تَعْرِفُ ذَالِكَ؟ قَالَ: أما إِذَا كُنْتِ
عَنِّي رَاضِيَةً، فَإِنَّكِ تَقُولِينَ: لا وَرَبِّ مُحَمَّدٍ، وَإِذَا
كُنْتِ غَضْبَى، قُلْتِ: لا وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ، قَالَتْ: قلْتُ: أجَلْ،
وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا اهْجُرُ إِلاَّ اسْمَكَ)) أخرجه أحمد 6/30 و"البُخَارِي" 7/47 وفي (الأدب المفرد) (403) و"مسلم" 7/134.
2- أن يشارك كلاً منهما الآخر في اهتماماته، وأن يتعرف على هواياته، ويتحدث معه في أمور تجذب اهتمامه.
عَنْ سَعْدٍ بن أبي وقاص - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ، - صلى الله
عليه وسلم - دَخَلَ عَلَيْهِ يَعُودُهُ وَهُوَ مَرِيضٌ بِمَكَّةَ،
فَقُلْتُ: ((يَا رَسُولَ اللَّهِ: أُوصِي بِمَالِي
كُلِّهِ، قَالَ: لاَ، قُلْتُ: فَبِالشَّطْرِ، قَالَ: لاَ، قُلْتُ:
فَبِالثُّلُثِ، قَالَ: الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَبِيرٌ، أَوْ كَثِيرٌ،
إِنَّكَ أَنْ تَدَعَ وَارِثَكَ غَنِيًّا خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُ
فَقِيرًا يَتَكَفَّفُ النَّاسَ، وَإِنَّكَ مَهْمَا أَنْفَقْتَ عَلَى
أَهْلِكَ مِنْ نَفَقَةٍ فَإِنَّكَ تُؤْجَرُ فِيهَا حَتَّى اللُّقْمَةَ
تَرْفَعُهَا إِلَى في امْرَأَتِكَ، قَالَ: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ يَوْمَئِذٍ
إِلاَّ ابْنَةٌ، فَذَكَرَ سَعْدٌ الْهِجْرَةَ، فَقَالَ: يَرْحَمُ اللَّهَ
ابْنَ عَفْرَاءَ وَلَعَلَّ اللَّهَ يَرْفَعُكَ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ
قَوْمٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ)) أخرجه أحمد 1/172(1482) و"النَّسَائي" 6/242، وفي "الكبرى" 6423.
3- على الزوجة أن تبحث عما يجعل الزوج يتجنب الحديث معها، فلربما بردت
مشاعره وصار يشعر وكأن بينكما حاجزاً بسبب سلوكيات من جانبك جرحت كرامته
كرجل في الماضي أو ترسبات من عدة مشكلات، حاولي تجديد علاقتك به وأعطيه ثقة
أكبر في أهميته لديك، وعدلي من أسلوبك وكوني أكثر رقة.
4- كوني أنت البادئة بالحديث، فالزوج لديه اهتمامات، ومشاغل كثيرة، وهموم
حياتية قد تشغله عن الحديث، ولا تنتقديه بصورة دائمة حتى لا يجعل من ذلك
عذراً لعدم التحدث معك.
وحاولي إضفاء جو من المرح داخل البيت، فالبيوت السعيدة لا تستغني عن جو المرح والألفة بين أفرادها.
عن عائشة قالت: ((أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم -
بخزيرة طبختها له، فقلت لسودة: كلي والنبي -صلى الله عليه وسلم- بيني
وبينها، فقلت: لتأكلن أو لألطخن وجهك، فأبت فوضعت يدي في الخزيرة فطليت بها
وجهها، فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - فوضع فخذه لها، وقال لسودة:
الطخي وجهها، فلطخت وجهي، فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم – أيضًا، فمر
عمر فنادى يا عبد الله يا عبد الله، فظن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه
سيدخل، فقال: قوما فاغسلا وجوهكما، قالت عائشة: فما زلت أهاب عمر لهيبة
رسول الله - صلى الله عليه وسلم – إياه)) أخرجه أبو يعلى (7/449، رقم 4476)، وابن عساكر (44/90). الهيثمى (4/316) السلسلة الصحيحة 10/21.
5- لا تكرري عليه أسئلة وتنتظري منه إجابة فورية، وإلا ستشعرينه وكأنك
تحققين معه، وتقيدين حريته، وبذلك ينفر من حوارك ولن يتحدث إليك، ولكن
اسأليه برقة ولا تجعليه يضطر إلى الكذب هروباً من أسئلتك.
6- أحيانا يكون الرجل في حاجة إلى قسط من الحرية، وأن يكون منفرداً بنفسه
فاحترمي رغبته، ولا تقطعي خلوته فالصمت هنا ليس مرضياً، ولو حديثك ضروري
ضعي له ورقه يقرأها ويرد وقتما يكون مستعداً.
7- ليكن لأفراد الأسرة جلسة أسبوعية يحكي كل واحد ما واجهه خلال الأسبوع من مشكلات واقتراح الحلول المناسبة لتلك المشكلات.
8- التذكر الدائم للذكريات السعيدة الطيبة، وتجنب التذكر للذكريات التعيسة
المؤلمة، تذكرا مثلا (فترة الخطوبة) وكيف كان كل منكما ينصت إلى الآخر
باهتمام ويحاول أن لا تفوته كلمة واحدة من كلماته، فليعبر كل منكما عن
مشاعره تجاه الآخر، فالتعبير عن المشاعر يحيي مشاعر المودة والحب والتآلف.
قال ابن دراج وهو يودع زوجته مسافراً:
ولمَّا تدانت للوداع وقد هفا *** بصبريَ منها أنَّة وزفيرُ
تناشدني عهد المودَّة والهَوَى *** وفي المهدِ مبغوم النداء صغيرُ
وطار جناح البين بي وهَفَتْ بها *** جوانح من ذعر الفراق تطيرُ
وقد تظهر العواطف في تشوق في حال غيبة، كما قال المحدث ابن حجر متشوقا إلى زوجته ليلى الحلبية:
رحلت وخلفت الحبيب بداره *** برغمي، ولم اجنح إلى غيره ميلا
أشاغل نفسي بالحديث تعللا *** نهاري، وفي ليلي احن إلى ليلى
وقد تظهر هذه العواطف الرقيقة في وصية
عند حضور الموت، كما قال يحيى الهندي الأندلسي يوصي بان يدفن حذاء زوجنه
التي توفيت قبله، وحزن عليها حزنا بالغاً:
إذا مت فادفني حذاء خليلتي *** يخالط عظمي في التراب عظامها
ورتب ضريحي كيفما شاءه الهوى *** تكون أمامي أو أكون أمامها
لعمل إله العرش يجبر صرعتي *** فيعلي مقامي عنده ومقامها
وكما قالت الذلفاء ترثي زوجها نجدة بن الأسود:
سئمت حياتي حين فارقت قبره *** ورحت وماء العين ينهل هاملُه
وقالت نساء الحي: قد مات قبله *** شريف فلم تهلك عليه حلائلُه
صدقن، لقد مات الرجال، ولم يمت *** كنجدة من إخوانه من يعادلُه
إن للتعبير عن المشاعر أهمية كبيرة
حياة الإنسان؛ إذ أنها لا تقتصر على الإفصاح عما بداخل الإنسان فقط، وإنما
تتعدى ذلك إلى ارتباطها بنواحي الحياة الإنسانية وظهور أو انعدام الحرية.
وبما أن التعبير عن المشاعر هو أحد أساليب التواصل عند الإنسان مع الآخرين،
فإن تعبير الزوجين عن مشاعرهما دليل على استمرار الحب والود، وسبيل إلى
نجاح واستمرار الحياة الزوجية.
ملأ الله بيوتنا بالإيمان وعمرها بالقرآن ووقانا شر فتن الشيطان، إنه الكريم المجيب المنان.