اليوم نتعرف على بطل جديد هو آخر وزير للحربية.. إنه المشير محمد الجمسي..
"نصر أكتوبر هو أهم وسام على صدري، وليتني أحيا لأقاتل في المعركة القادمة"..
من هنا ابتدت الحكاية.. حكاية بطل اسمه محمد عبد الغني الجمسي، وُلِد في
التاسع من سبتمبر عام 1921 لأسرة ريفية فقيرة وكبيرة العدد، تعمل في
الزراعة في قرية "البتانون" بمحافظة المنوفية.
بعد أن أكمل تعليمه الثانوي -والذى كان يشكّل عبئا على أسرته- حالفه الحظ،
وكان من أوائل المصريين الذين سمحت لهم حكومة مصطفى باشا النحاس بالدخول
لأبواب الكليات العسكرية، التي كانت محرّمة على أبناء الطبقات المتوسطة
والفقيرة.
وابتدى من هنا حياته العسكرية وهو في الـ17 من عمره، وشارك في كل الحروب
العربية الإسرائيلية عدا حرب 1948 التي كان خلالها في بعثة خارج البلاد،
وكان زميلا في هذه الفترة لكل من جمال عبد الناصر، وعبد الحكيم عامر.
وتخرّج "الجمسي" في الكلية الحربية عام 1939، وفي نفس العام اندلعت الحرب
العالمية الثانية، وهي حرب لم تكن لمصر فيها ناقة ولا جمل، وإنما تورّطت
فيها نتيجة احتلالها من جانب بريطانيا، التي كانت طرفا أساسيا في الحرب.
عقب انتهاء الحرب عمل "الجمسي" ضابطا بالمخابرات الحربية، فمدرّسا بمدرسة
المخابرات حيث تخصص في تدريس التاريخ العسكري لإسرائيل بجميع جوانبه، وهذا
ما أهّله عقب نكسة يونيه 1967 لأن تسند له مهام الإشراف على تدريب القوات
المصرية؛ لأنه كان من أكثر قيادات الجيش دراية بالعدو، مما أدى إلى ترقيته
حتى وصل إلى قيادة هيئة التدريب بالجيش، ورئاسة المخابرات الحربية، وهو
الموقع الذي شغله عام 1972.
أشرف "الجمسي" بنفسه على الإعداد للحظة الثأر، وبنفسه أخذ يعمل بكل ما أوتي
من قوة وعلم لوضع لحظة بدء المعركة الفاصلة بالدقيقة والثانية! وحفاظا على
السرية المطلقة بدأ يكتب كل ملاحظاته في دفتر صغير، كان يخصّ ابنته ولم
يطّلع عليه سوى اثنين: الرئيس الراحل أنور السادات، والرئيس الراحل حافظ
الأسد، وقد عُرف هذا الدفتر فيما بعد بـ"كشكول الجمسي"، وفي هذا الكشكول
كانت الصفحات تتوالى.. ليخرج في النهاية بتوقيت مناسب: السادس من أكتوبر
الثانية ظهرا.
وجاء اختياره لهذا التوقيت بعد استخدامه كل ما هو ممكن من الأساليب
العلمية؛ حيث إن البحث كان يقتضي تحديد أنسب شهور السنة؛ لاقتحام القناة من
حيث المدّ والجزر وسرعة التيار واتجاهه، وكان من المهم في اليوم الذى يقع
عليه الاختيار أن يتميّز بطول ليله، وأن يكون في شهر لا يتعرّض لتقلّبات جو
شديدة، ولاكتمال عنصر المفاجأة امتدت الدراسة إلى البحث في العطلات
الرسمية في إسرائيل، ومن هنا برز شهر أكتوبر.
وفي النهاية وقع الاختيار على يوم "كيبور" الذي كان للمصادفة أيضا أحد أيام السبت، وبدأت الحرب..
وبعد أن صدر قرار وقف إطلاق النار وقع اختيار الرئيس السادات عليه؛ ليتولى
مسئولية التفاوض مع الإسرائيليين فيما عُرِف بمفاوضات "الكيلو 101"، وذهب
بالفعل ولكنه قرر ألا يبدأ أبدا بالتحية العسكرية للجنرال الإسرائيلي
"ياريف" وألا يصافحه، وهو ما حدث بالفعل.
وفي يناير 1974 كان أصعب موقف في حياته حينما علِم بموافقة الرئيس السادات
على انسحاب أكثر من 1000 دبابة و 70 ألف جندي مصري من الضفة الشرقية لقناة
السويس، وحينما سئل عن أكثر القرارات التي ندم عليها، رد قائلا: "اشتراكي
في التفاوض مع اليهود".
واصل "الجمسي" تدريبات الجيش المصري استعدادا للمعركة التي ظلّ طوال حياته
يؤمن بها، وكان قرار الرئيس السادات وقتها ألا يخرج أي من كبار قادة حرب
أكتوبر من الخدمة العسكرية طيلة حياتهم تكريما لهم.
"ولكن دوام الحال من المحال" فقد أدّت الخلافات السياسية بينه وبين السادات
لطلب "الجمسي" بنفسه أن يحال إلى التقاعد من وزارة الحربية، وتمّ بعدها
تغيير اسم الوزارة من وزارة الحربية إلى وزارة الدفاع، ليكون "الجمسي" بذلك
هو آخر وزير حربية في مصر ليترقى إلى رتبة المشير في عام 1979.
ومن هنا كان لهذا البطل مكانة لن تكفيها صفحات تُكتب بالذهب، ولكن لكل أجل
كتاب، وقد جاء أجل ذلك البطل بعد صراع طويل مع المرض "العدو الوحيد الذي لم
يستطع قهره".. ليرحل عنا في السابع من يونيو 2003، عن عمر يناهز 82 عاما،
وكلماته تتردد في الصدور: "ليتني أحيا لأقاتل في المعركة القادمة"!.
قالوا عنه:
"لقد هزّني كرجل حكيم للغاية، إنه يمثّل صورة تختلف عن تلك التي توجد في
ملفاتنا، إنه رجل مثقف، وموهوب، وهو مصري يعتزّ بمصريته كثيرا".
"عيزرا وايزمان"
رئيس وفد المفاوضات الإسرائيلي في "الكيلو 101"
من أقواله:
"كانت حرب أكتوبر 1973 أول نصر عسكري يسجّله العرب في العصر الحديث، وتلك بداية النهاية للتفوق العسكري الإسرائيلي".
"نصر أكتوبر هو أهم وسام على صدري، وليتني أحيا لأقاتل في المعركة القادمة"..
من هنا ابتدت الحكاية.. حكاية بطل اسمه محمد عبد الغني الجمسي، وُلِد في
التاسع من سبتمبر عام 1921 لأسرة ريفية فقيرة وكبيرة العدد، تعمل في
الزراعة في قرية "البتانون" بمحافظة المنوفية.
بعد أن أكمل تعليمه الثانوي -والذى كان يشكّل عبئا على أسرته- حالفه الحظ،
وكان من أوائل المصريين الذين سمحت لهم حكومة مصطفى باشا النحاس بالدخول
لأبواب الكليات العسكرية، التي كانت محرّمة على أبناء الطبقات المتوسطة
والفقيرة.
وابتدى من هنا حياته العسكرية وهو في الـ17 من عمره، وشارك في كل الحروب
العربية الإسرائيلية عدا حرب 1948 التي كان خلالها في بعثة خارج البلاد،
وكان زميلا في هذه الفترة لكل من جمال عبد الناصر، وعبد الحكيم عامر.
وتخرّج "الجمسي" في الكلية الحربية عام 1939، وفي نفس العام اندلعت الحرب
العالمية الثانية، وهي حرب لم تكن لمصر فيها ناقة ولا جمل، وإنما تورّطت
فيها نتيجة احتلالها من جانب بريطانيا، التي كانت طرفا أساسيا في الحرب.
عقب انتهاء الحرب عمل "الجمسي" ضابطا بالمخابرات الحربية، فمدرّسا بمدرسة
المخابرات حيث تخصص في تدريس التاريخ العسكري لإسرائيل بجميع جوانبه، وهذا
ما أهّله عقب نكسة يونيه 1967 لأن تسند له مهام الإشراف على تدريب القوات
المصرية؛ لأنه كان من أكثر قيادات الجيش دراية بالعدو، مما أدى إلى ترقيته
حتى وصل إلى قيادة هيئة التدريب بالجيش، ورئاسة المخابرات الحربية، وهو
الموقع الذي شغله عام 1972.
أشرف "الجمسي" بنفسه على الإعداد للحظة الثأر، وبنفسه أخذ يعمل بكل ما أوتي
من قوة وعلم لوضع لحظة بدء المعركة الفاصلة بالدقيقة والثانية! وحفاظا على
السرية المطلقة بدأ يكتب كل ملاحظاته في دفتر صغير، كان يخصّ ابنته ولم
يطّلع عليه سوى اثنين: الرئيس الراحل أنور السادات، والرئيس الراحل حافظ
الأسد، وقد عُرف هذا الدفتر فيما بعد بـ"كشكول الجمسي"، وفي هذا الكشكول
كانت الصفحات تتوالى.. ليخرج في النهاية بتوقيت مناسب: السادس من أكتوبر
الثانية ظهرا.
وجاء اختياره لهذا التوقيت بعد استخدامه كل ما هو ممكن من الأساليب
العلمية؛ حيث إن البحث كان يقتضي تحديد أنسب شهور السنة؛ لاقتحام القناة من
حيث المدّ والجزر وسرعة التيار واتجاهه، وكان من المهم في اليوم الذى يقع
عليه الاختيار أن يتميّز بطول ليله، وأن يكون في شهر لا يتعرّض لتقلّبات جو
شديدة، ولاكتمال عنصر المفاجأة امتدت الدراسة إلى البحث في العطلات
الرسمية في إسرائيل، ومن هنا برز شهر أكتوبر.
وفي النهاية وقع الاختيار على يوم "كيبور" الذي كان للمصادفة أيضا أحد أيام السبت، وبدأت الحرب..
وبعد أن صدر قرار وقف إطلاق النار وقع اختيار الرئيس السادات عليه؛ ليتولى
مسئولية التفاوض مع الإسرائيليين فيما عُرِف بمفاوضات "الكيلو 101"، وذهب
بالفعل ولكنه قرر ألا يبدأ أبدا بالتحية العسكرية للجنرال الإسرائيلي
"ياريف" وألا يصافحه، وهو ما حدث بالفعل.
وفي يناير 1974 كان أصعب موقف في حياته حينما علِم بموافقة الرئيس السادات
على انسحاب أكثر من 1000 دبابة و 70 ألف جندي مصري من الضفة الشرقية لقناة
السويس، وحينما سئل عن أكثر القرارات التي ندم عليها، رد قائلا: "اشتراكي
في التفاوض مع اليهود".
واصل "الجمسي" تدريبات الجيش المصري استعدادا للمعركة التي ظلّ طوال حياته
يؤمن بها، وكان قرار الرئيس السادات وقتها ألا يخرج أي من كبار قادة حرب
أكتوبر من الخدمة العسكرية طيلة حياتهم تكريما لهم.
"ولكن دوام الحال من المحال" فقد أدّت الخلافات السياسية بينه وبين السادات
لطلب "الجمسي" بنفسه أن يحال إلى التقاعد من وزارة الحربية، وتمّ بعدها
تغيير اسم الوزارة من وزارة الحربية إلى وزارة الدفاع، ليكون "الجمسي" بذلك
هو آخر وزير حربية في مصر ليترقى إلى رتبة المشير في عام 1979.
ومن هنا كان لهذا البطل مكانة لن تكفيها صفحات تُكتب بالذهب، ولكن لكل أجل
كتاب، وقد جاء أجل ذلك البطل بعد صراع طويل مع المرض "العدو الوحيد الذي لم
يستطع قهره".. ليرحل عنا في السابع من يونيو 2003، عن عمر يناهز 82 عاما،
وكلماته تتردد في الصدور: "ليتني أحيا لأقاتل في المعركة القادمة"!.
قالوا عنه:
"لقد هزّني كرجل حكيم للغاية، إنه يمثّل صورة تختلف عن تلك التي توجد في
ملفاتنا، إنه رجل مثقف، وموهوب، وهو مصري يعتزّ بمصريته كثيرا".
"عيزرا وايزمان"
رئيس وفد المفاوضات الإسرائيلي في "الكيلو 101"
من أقواله:
"كانت حرب أكتوبر 1973 أول نصر عسكري يسجّله العرب في العصر الحديث، وتلك بداية النهاية للتفوق العسكري الإسرائيلي".